باتت التطورات السياسية المحيطة بتأليف الحكومة الجديدة وتلك المحيطة بالتحقيق في انفجار المرفأ الكارثي والتدفق الدولي على لبنان، تطرح أسئلة كبرى حول ما إذا كان البلد المنكوب تحول إلى ساحة ليس فقط للصراع الدولي بل أيضاً للتوافقات الخارجية الظرفية.
فالأضداد يتجاورون في التعاطي الإنساني مع مأساة لبنان، ويتوزعون الإغاثة السخية واعدين بالمزيد، لكن كلاً منهم يكتم هدفاً ضد الآخر على المسرح الصغير الذي صار مستودعاً كبيراً للأسلحة والصواريخ والمتفجرات والصراعات التي تفوق مساحته وقدراته.
في التفتيش عن أسباب تلك اللهفة على إغاثة لبنان لا يكفي ردها إلى حجم النكبة التي أصابته لتفسير تدفق الموفدين والمحققين الدوليين الغربيين والشرقيين. فلبنان منكوب ومنهوب ومعزول قبل الكارثة، التي زادته نكبة وأحالته بلداً يتطلب إنقاذه من الاضمحلال كونسورتيوم دولي. الحكم فيه معطل قبل النكبة، كما الدولة ومؤسساتها بسبب الخلافات الداخلية وعمليات النهب التي تعرضت لها أموال الناس.
بعض الأطراف ما زال يطرح شروطاً على الإنقاذ بحكومة جديدة تباشر تصحيح الوضع المالي الاقتصادي، كأن شيئاً لم يتغير. والمماحكة الإعلامية والسياسية التي ترافق التحقيقات، تشي بأن هناك تقصّداً لإضاعة الناس، بحيث تبقى كافة الفرضيات قائمة. تزداد الريبة بسبب خفة تعاطي الدولة. تعلن أنها أعطت فرصة خمسة أيام لكشف الحقائق، والمذنبين، ويمر اليوم العاشر والضياع في المعلومات المسربة سيد الموقف، في وقت لا تفارق الاستعراضية مسرح الجريمة والمسرح السياسي. يرفض رئيس الجمهورية التحقيق الدولي ثم تظهر مشاركة “خبرات دولية” ليكتشف اللبنانيون أن هناك تعاوناً في التحقيق وجمع الأدلة، من الفرنسيين وغيرهم من دول أخرى، بحجة البحث عن ناجين سواء عبر الكلاب البوليسية أو أدوات الكشف المتقدمة عن المتفجرات أو غيرها من وسائل التحقيق الجنائي المتطورة، لتتسرب روايات متفرقة، بالتزامن مع تحليلات خبراء دوليين. ثم ينضم “إف بي آي” أمس إلى المحققين.
الغموض يستعيد الفرضية التي ظهرت بعد يومين من الكارثة ونشر بعضها، بموازاة فرضية الحادث الناجم عن “الإهمال”. تقول إن إسرائيل نفذت ضربتها للعنبر الرقم 12 وربما العنبر الرقم 9 في المرفأ مستهدفة ما تدعي معلوماتها إنه يشمل تخزيناً لشحنة أسلحة لـ”حزب الله”، من دون تقديرها لحجم نيترات الأمونيوم المخزنة وآثار التفجير. فالأخيرة تحتاج إلى مادة مُفجِّرة كي تنفجر. فاقت الكارثة على العاصمة كل التوقعات، وتحولت إلى جريمة ضد الإنسانية، لا يمكن للمجتمع الدولي أن يحتملها ولا بد من أن يدينها، مع مفاعيل كل ذلك على الدولة العبرية عالمياً ومستقبلاً. والكارثة قد تجر رداً من “حزب الله”، قد يطلق حرباً لا هو ولا إسرائيل يريدانها. فضلاً عن أن اتهام الحزب لإسرائيل يعني اعترافاً منه بتخزين أسلحة في المكان الذي زعم بنيامين نتنياهو مرة وجودها. في اعتقاد المقتنعين بهذه الفرضية أن الأمر احتاج استنفاراً دولياً بقيادة فرنسية أميركية لاستيعاب الكارثة، والتراجع عن قول دونالد ترامب إن هجوماً وقع. إذا صحت الفرضية يتطلب الأمر لفلفة على مستوى عالٍ. وافتداء بيروت بالمال والإعمار.
تمر فرضية اتهام إسرائيل (وحزب الله)، وفرضية “الحادث” والإهمال باختبار سياسي واسع في عملية تأليف الحكومة، وسط ريبة تلاحق التحقيق ولعنة تطارد الحكم وداعميه، ولكل منهما ثمن سياسي.