الحرب والسلام، كل منهما مشروع في غرف التخطيط الاستراتيجي، قبل أن يتحول الى قرار يتخذه الرئيس. والهدف الثابت في الحالتين، تحقيق المصلحة الوطنية، وتسمى أيضاً المصلحة القومية في الدول العظمى. وستبقى الحروب على مر الزمان، كما قيل فيها، انها السياسة بوسائل أخرى لتحقيق المصالح الدائمة. والقطب الأول في عالم اليوم لم يعد هو الأوحد، وهو الولايات المتحدة الأميركية. وروسيا بقيادتها النابضة فرضت نفسها الى جواره قطباً ثانياً، معترفاً به أميركياً وعالمياً. ولم يحدث ذلك بين عشية وضحاها. وتبادل القطبان الطعن في الخاصرة – هنا وهناك في العالم – لبعض الوقت، وكانت الخسائر أكبر من الربح على الجانبين. ولأن القيادة في كل من الولايات المتحدة والاتحاد الروسي ممثلة بالرئيسين أوباما وبوتين، تتمتع بعقل براغماتي واقعي بارد، فقد تقاطعت المصالح بينهما على التعاون في كل ما يفيدهما، وتحاشي الصدام في كل ما يلحق الضرر ببلديهما… وهذا التقاطع هو ما يرسم اليوم خط السياسات في المنطقة وبعض العالم.
التحول الأميركي في هذا الاتجاه بتعاون محدود مع موسكو، تم بعد أن حققت السياسة الأميركية الكثير الكثير من أهدافها السابقة… ومنها أولاً إنهاك العالم العربي عسكرياً ومالياً واجتماعياً واقتصادياً، واعادته سنوات كثيرة الى الوراء، وتدمير المناطق الحيوية فيه التي كانت تشكل خطراً على المصالح الأميركية والاسرائيلية. وتفكيك العديد من جيوشه. وتزخيم بيع السلاح الأميركي بألوف مليارات الدولارات. وزرع جرثومة الارهاب التكفيري على أوسع نطاق ممكن في المنطقة لإنهاك المجتمعات العربية… وبعد كل ذلك، تتعاون أميركا مع روسيا اليوم، لقلب الصفحة، والعمل على تصفية الأزمات واعادة الهدوء، بما يتيح للولايات المتحدة العودة للاستثمار في اعادة البناء في القارة العربية بألوف مليارات الدولارات… بل والعودة الى المنطقة عسكرياً، ولكن هذه المرة، ليس بصفة قوات غازية لإسقاط أنظمة دكتاتورية، وانما بصفة الحليف والصديق، في الحرب على الارهاب!
البداية الحقيقية هي مع سوريا وفي سوريا. وليس من المفاجئ أن تقوم روسيا اليوم في تلطيف العلاقات السورية – الأميركية وتليينها، بعد أن كانت الصفة العدائية هي الطاغية عليها لزمن طويل. والمظلة العالمية الواسعة الجديدة التي تتسع للخصم والمنافس والصديق، تحمل عنوان مكافحة الارهاب المنتشر الذي تحول الى خطر يهدد العالم!