يشكو السوق العقاري اليوم من ازمة خطيرة تهدد عدداً كبيراً من الشركات الكبرى بالإفلاس. والسبب الحقيقي إقتصادي، إذ أن لبنان، تاريخياً، ما كان ليكون كما هو عليه من ناحية الإستثمار، من اهم بلدان العالم لولا إقبال معظم الدول العربية الغنية على الاستثمار فيه، فالاثرياء العرب بعضهم يأتي الى لبنان للإصطياف وبعضهم الآخر يأتي في موسم الشتاء والثلوج والبعض الثالث يأتي للاستثمار في بلد يتميز بالحرية والديموقراطية.
وهنا اتذكر في احدى الرحلات مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري الى الكويت، ومعروف ان رئيس الحكومة وولي العهد في ذلك الحين كان المغفور له الشيخ سعد العبدالله الصباح، الذي قال للرئيس الحريري ان الكويتيين خسروا الكثير من الإستثمارات في لبنان.
وقال له الرئيس الحريري: هذه مشكلة الحروب الأهلية دائماً، والدولة تكون غير قادرة على فعل شيء.
ولكني اطلب منك يا شيخ سعد ان تجري عملية حسابية بسيطة: ما هو المبلغ الذي دفعته ثمن استثمارات في لبنان؟ وفي أي سنة؟ ولو اخذنا هذا المبلغ واودعناه في احسن بلد في العالم الى اين كان سيصل مردوده؟
لم يجب ولي العهد بشيء.
فاستأنف الحريري: انا مستعد أن اشتري منك جميع استثماراتك واعطيك عليها اي فوائد موازية لما كان يمكن ان تحصّله هذه الاستثمارات في اي بلد من العالم زائدة خمسة ملايين دولار.
فإبتسم الشيخ سعد العبدالله وقال للحريري: غلبتني.
من هنا فإن لبنان من اهم بلدان العالم لمصلحة المستثمر، شرط ان يعود الاستقرار الى لبنان الذي هو بأمسّ الحاجة اليه. وطالما ان هناك دولة ضُمن دولة فأين الاستثمار؟
وفي هذا السياق فإن »الشرق« تنشر اليوم التقرير الذي حصلنا عليه من شركة »سوليدير« ترد فيه بدقة ووضوح على الاتهامات الموجهة إليها.
وبدورنا يهمنا ان نؤكد للقارئ ان هذا المشروع وحّد العاصمة بيروت بعدما كانت مقسّمة الى شرقية وغربية، وكانت فكرة هذا المشروع من الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي لم يلقَ حلاً لتوحيد العاصمة واعادة إعمارها إلاّ بإنهاء مشكلة المنطقة التجارية التي كان فيها ٣٠٠٠٠٠ جحر وتحولت الى سوق للدعارة وتجارة وتعاطي المخدرات وايواء الهاربين من القانون. وقد دفعت سوليدير ٦٠٠ مليون دولار لإنهاء قضية المهجرين اليها.
لو كان رفيق الحريري في ثور ١٩٥٨ التي خلقت منطقة الاوزاعي لما كانت هذه المنطقة قد بلغت ما وصلت اليه اليوم وهي التي يعاني منها جميع اللبنانيين، اذ ان مدخل بيروت الجنوبي يعتبر نقطة سوداء في جبين العاصمة اذ ان مناطق شاسعة محتلة واصحاب الحقوق فيها لا يستطيعون ان يحصلوا فلساً واحداً، وهم آلاف العائلات التي ذهبت اراضيهم بقوة السلاح ولم يوجد لها حل حتى اليوم.
كلمة اخيرة في هذا الموضوع: ان المشكلة العقارية اليوم ليست وقفاً على لبنان، انما هي عالمية، ولكنها تتفاقم في لبنان بسبب انقلاب حزب الله في عام ٢٠٠٩ على سعد الحريري وما اعقبه من مقاطعة لبنان. اذ للمرة الاولى في تاريخ لبنان الحديث بدأ الخليجيون عموماً والسعوديون خصوصاً ببيع املاكهم في لبنان علماً انه في حرب ١٩٧٥ وحتى العام ٢٠٠٩ لم يبع اي مستثمر عربي عقاراً او منزلاً او مشروعاً او استثماراً آخر في لبنان.
ويذكر في هذه المناسبة ان شركات عقارية كبرى تعاني من الافلاسات. لذلك اتخذ مصرف لبنان قراراً تاريخياً إذ سمح للمصارف بتملك العقارات، ومدّد مهلة المصرف في اعادة بيع العقار الذي تملكه من سنتين الى عشرين سنة… وهذا شكل مدخلاً لحل ازمة العقارات في هذا البلد.
عوني الكعكي