Site icon IMLebanon

الاستثمار الفظ في بورصة «داعش» الدموية!

عندما أعلنت واشنطن يوم الأربعاء الماضي «أن معركة مدينة كوباني مرعبة ولن نسمح بسقوطها»، كانت ملامح أخرى مرعبة تطلّ من الميدان العراقي، حيث بدا أن مدينة الرمادي العراقية باتت عرضة للمصير المرعب الذي يتهدد كوباني السورية!

لم يكن أحد يتصور في أسوأ الكوابيس أن تتحول الحرب على «داعش» إلى ما يشبه بورصة سياسية تتقاطع في ردهتها الدموية حسابات ومصالح محلية وإقليمية دولية، وهو ما يتيح للإرهابيين التوسّع في سوريا والعراق رغم الغارات الجوية التي هناك إجماع على أنها لن تتمكن أن تحسم المعركة أو توقف تقدم «داعش».

ربما يكون من المعيب أن باراك أوباما أعلن قبل أكثر من شهر ونصف قيام تحالف دولي قال: إنه يضم 40 دولة، لتقف جنيفر ساكي المتحدثة باسم الخارجية الأميركية قبل يومين وتقول: إن معركة كوباني مرعبة بينما كان مقاتلو العشائر السنّية في الأنبار يتحدثون عن إمكان تكرار سيناريو الموصل في الرمادي!

في كوباني تتقاطع حسابات رجب طيب إردوغان ومراهناته السياسية الفظة في بورصة الدم الكردي، أما في الأنبار فتتقاطع حسابات حيدر العبادي الإيرانية، عندما ترفض مشاركة الطيران العربي في قصف الإرهابيين، وتستمر الشكوى من عدم تلبية الحكومة المركزية حاجات مقاتلي العشائر إلى الإمدادات والذخيرة.

وإذا كانت المراهنات في «ردهة داعش الدموية» ناشطة عند القوى الإقليمية، فهي بالتأكيد ساخنة لدى القوى الدولية، حيث يستمر عض الأصابع بين موسكو وواشنطن حول اشتراط إردوغان أن يتم إسقاط بشار الأسد، وهو ما ترفضه روسيا وإيران، في حين لا يبدو أن أميركا حسمت أمرها حيال إسقاطه وإن كانت ترفضه في التحالف وتكرر أنه لا مستقبل له في سوريا!

المضارب الأول وربما المقامر الأول بالدم الكوباني الكردي طبعا هو إردوغان، الذي لم يكتف بالإعلان يوم الأربعاء الماضي «أن عين العرب تسقط لأن مطالبنا لم تحقق»، بل لأن الوكالات نقلت يوم الخميس خبر مقتل أكثر من 23 كرديا في صدامات عنيفة بين الشرطة التركية والأكراد، الذين كانوا يريدون العبور لدعم إخوتهم في كوباني منددين بعدم تحرك القوات التركية لإنقاذ المدينة، لكن قوات الأمن التركية التي استعملت الرصاص والقنابل الدخانية واعتقلت أعدادا منهم، لطالما تفرّجت على المقاتلين يعبرون الحدود التركية للانضمام إلى «داعش»!

حتى يوم الأربعاء الماضي كانت واشنطن ترفض الشروط التي وضعها إردوغان للتعاون مع التحالف الدولي، وهي إقامة منطقة حظر جوي فوق سوريا، تقول واشنطن إنها تحتاج إلى قرار من مجلس الأمن سيجابهه الروس حتما بالفيتو، والقيام بعمل عسكري يفضي إلى إسقاط الأسد وهو ليس في حسابات واشنطن قبل تأمين جهوزية «الجيش السوري الحر» لكي يملأ الفراغ بعد سقوط النظام خوفا من أن يملأه الإرهابيون، وإنشاء مخيمات للسوريين داخل الأراضي السورية.

لكن إردوغان الذي يراقب بكثير من الضيق التسليح الغربي الكثيف للبيشمركة في العراق ينظر إلى هذا التطور وكأنه قنبلة ستصل شظاياها إلى الأكراد في تركيا، وقد رفع سقف شروطه كي لا يتدخل في كوباني المدينة الكردية الكبيرة، بما قد يعطي الأكراد زخما إضافيا، وبهذا أراد أن يصيب 3 عصافير بحجر واحد: أن يضعف الكرد بسقوط كوباني، وأن يبدو منقذهم إذا تدخل، وأن يكسب إسقاط الأسد.

وإذا كان هذا الموقف ينطوي على كثير من الانتهازية، فإن إردوغان طبق دائما سياسة ملتوية ساهمت في تقوية «داعش»، آخر فصولها الفجّة عملية تبادل الأسرى بينه وبين «داعش» عندما أطلق 180 إرهابيا ممن كانوا يعالجون في مستشفيات تركيا أو موقوفين في سجونها، مقابل إطلاق رهائن القنصلية التركية في الموصل، إضافة إلى ما تردد عن أنه سلم «داعش» 49 دبابة أي بمعدل واحدة في مقابل كل رهينة تركية!

وتتحدث الأنباء عن أن جون كيري فاتح نظيره التركي أحمد داود أوغلو في موضوع أثار حنق واشنطن، وخصوصا بعدما تحدثت الصحف التركية قبل 10 أيام، عن أنه في حين كان البرلمان التركي يقرّ التصدي لـ«داعش» إذا هددت الحدود التركية، كانت حكومة إردوغان تسمح بفتح مكتب اتصالات لـ«داعش» في إسطنبول، وهو تطور يؤكّد استمرار إردوغان في الاستثمار في «داعش» بعدما كان سمح بتسرّب مقاتليها إلى العراق وسوريا عبر حدوده، وبعدما سمح لقادتها بالتحرك بحرية في الأراضي التركية الجنوبية في حين يمنع الأكراد الآن من العبور لدعم كوباني!

من كوباني السورية إلى الرمادي العراقية حيث ترتسم معالم عن تكرار السيناريو الغريب الذي أدى في السابق إلى تسليم الموصل لـ«داعش» بعد انسحاب الجيش العراقي منها، فقد تحدثت الأنباء قبل يومين عن سيطرة الإرهابيين على مناطق جديدة في الأنبار وخصوصا في الرمادي بعدما غادرتها القوات الحكومية لتتمركز جنوبا في قاعدة الحبّانية.

يأتي هذا التطور المثير بعدما كان منسق التحالف الدولي الجنرال جون آلن قد شدد مع رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري على أهمية إشراك سنة الأنبار في القتال ضد الإرهابيين لاستعادة مناطقهم، ولهذا بدت تصريحات رئيس مجلس محافظة الأنبار صباح كرحوت صادمة تماما عندما قال: «إن الأنبار وصلت إلى طريق مسدود بسبب ضعف الإمدادات من الحكومة المركزية وقوات التحالف الدولي إلى مقاتلي العشائر ورجال الشرطة»، ومضى محذرا من احتمال سقوط الأنبار في يد «داعش» بما قد يمثّل مقدمة لسقوط بغداد، وخصوصا أن الإرهابيين حصلوا على كميات كبيرة من أسلحة القوات الحكومية المنسحبة، وهو ما يذكّر فعلا بسيناريو سقوط الموصل.

ومن الواضح أن موقف حيدر العبادي الذي يكرر رفض مشاركة المقاتلات العربية في قصف مواقع «داعش» داخل العراق بينما يقبل القصف من المقاتلات الغربية، إنما يشكّل مؤشرا على أن إيران أيضا تضارب سياسيا في بورصة القتال ضد «داعش»، فقد كانت أول من قام بإرسال السلاح إلى مقاتلي البيشمركة وهو ما يتعارض طبعا مع المضاربة التركية، ثم إنه في حين يشترط إردوغان إسقاط الأسد للدخول في التحالف تعارض إيران وروسيا أي عمل عسكري في سوريا ضد الإرهابيين إن لم يكن بالتعاون مع النظام!

عندما يقول ليون بانيتا إن الحرب على الإرهاب ستستمر 30 سنة وإن أوباما ضلّ طريقه في قتال «داعش» وعليه أن يصحح باتّباع الجدية أكثر، يجب أن لا ننسى أن تعامي أوباما الطويل عن حرب الأسد ضد السوريين التي دعمها الروس والإيرانيون هي التي خلقت «داعش».