من عميد الديبلوماسية العربية على إمتداد نصف قرن، ما جعله يضع بصماته على مسار طويل من القضايا والملفات العربية والدولية ومنها الملف اللبناني، الى نزوله في الأمم المتحدة العام لماضي مُكرماً وتسميته “قائداً للعمل الإنساني” وإعلان الكويت “مركزاً للعمل الإنساني”، بنى الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح تاريخاً مضيئاً للكويت والخليج والعرب.
هكذا لم يستأثر الكويتيون وحدهم أمس بالإحتفال بالعيد العاشر لتوليه العهد، ففي أمكنة كثيرة من بيروت الى الأمم المتحدة كان هناك إحتفاء قلبي بهذه المناسبة، وخصوصاً عند الذين تذكروا انه عندما قرر بان كي-مون عقد المؤتمر الأول للمانحين عام ٢٠١٤ لمساعدة اللاجئين السوريين، لم يجد رافعة إنسانية لها صدقيتها وإحترامها في البيئة الدولية غيره، ليس لإستضافة المؤتمر بل لأنجاحه عبر “الأريحية والمبادرة والإحترام العميق الذي يكنّه العالم للشيخ صباح” على ما قال لي يومها الصديق نجيب فريجي الذي رافق بان كي-مون.
ربما لهذا تكرر عقد هذا المؤتمر ثلاثة اعوام في الكويت التي وحدها وفّت بما وعدت به من المساعدات، ولا يحتاج الأمر الى تأويل فالشيخ صباح صاحب أريحية وصانع وئام ومدرسة في الديبلوماسية الحكيمة، وقد سهر على هندسة سلسلة من المصالحات الخليجية والعربية والأقليمية، لهذا يستطيع ان يستمطر استجابة الدول المانحة.
في كل المؤتمرات التي رعاها ودعا اليها كان منطلقه الأنسان والحس الإنساني، مؤتمر التعاون العربي الإفريقي والعربي الآسيوي، وقليلون ربما الذين يعرفون انه بعد ٢٤ ساعة من ظهور وباء “أيبولا” في أفريقيا سارع الى رصد مبلغ كبير لمعالجة المصابين وإيجاد اللقاح المناسب، في صمت وبلا إعلان.
عندما قرأت انه إتّخذ قراراً بتقليص مخصصات الديوان الأميري بسبب تدني أسعار النفط، تذكرت خطابه في إفتتاح دورة مجلس الأمة يوم ٢٨ تشرين الأول من العام الماضي، عندما لفت الحكومة والنواب الى ما كان ينبّه اليه من مخاطر النمط الإستهلاكي على حساب التنمية والإستثمار في الإنسان الكويتي الذي قال بالحرف إنه “القيمة الحقيقية المضافة لبلدنا”، داعياً في مواجهة إنخفاض اسعار النفط وتراجع الواردات الى إجراءات عاجلة في اطار الإصلاح الإقتصادي والتصدي بحزم لمظاهر الفساد مؤكداً الحرص على عدم المساس بالفئآت المحتاجة وصندوق الأجيال القادمة.
لا داعي للتذكير بما موّله الصندوق الكويتي من مشاريع في لبنان ولا غرابة ان يشارك لبنان الكويت في هذه المناسبة الحميمة، ففي ديوان رئيس الوزراء السابق الشيخ ناصر المحمد [كتب أمس مقالاً رائعاً في المناسبة] استمعت قبل اربعة أعوام الي سياسيين لبناني وكويتي طال حديثهما عن العلاقات بين البلدين. قال اللبناني “رب أخ لك لم تلده أمك” فرد الكويتي “رب وطن لك لا تملك هويته”!