تخرج اللهجة الواثقة والهادئة لرئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري عن السياق التصعيدي العام الذي تشهده البلاد أخيراً، وتحديداً منذ تفجر الازمة بين لبنان والمملكة العربية السعودية على خلفية الموقف اللبناني الرسمي الخارج عن الإجماع العربي. هدوء الحريري أثار تساؤلات داخل تياره وخارجه عما قد يحمله في طياته، فيما لم يصدر أي رد فعل عن “حزب الله” الذي ظل على صمته، مبقيا على المسافة البعيدة التي تفصله منذ زمن عن زعيم “المستقبل” وما يمثل ومن يمثل.
في ذروة المواجهة الإيرانية – السعودية التي كان مسرحها أخيرا لبنان من خلال الإجراءات العقابية في حقه عموما وفي حق “حزب الله” خصوصاً، خرج الحريري إلى الناس بدعوتين موجهتين حصرا إلى الحزب وقيادته، في الاولى دعوة الحزب للعودة الى لبنان (من سوريا)، وفي الثانية دعوة أمينه العام السيد حسن نصر الله إلى لقاء.
في الدعوتين خروج عن المسار التصعيدي. لا يخالف الحريري حتماً القرار السعودي ولا يتمايز عنه، لكنه يسعى، بحسب قراءة أوساط مستقبلية، إلى شيء من التروي والتعقل في مقاربة الوضع، بعيدا من الانفعال الذي قد يأخذ البلاد إلى منزلقات خطيرة، خصوصا في ظل ضعف الموقف الرسمي والعجز عن احتواء الأزمة.
يدرك الحريري كما الأوساط “المستقبلية” أن الدعوتين غير قابلتين للتحقق، أقله في المدى المنظور. فالحزب من جهة ليس في وارد العودة من سوريا اليوم، وليس لديه ما يقوله للحريري من جهة ثانية. وكما للحريري شروطه، لنصرالله أيضا شروطه.
منذ الكلام العنيف لرئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد قبل أكثر من شهر عن “مفلس، لا مكان له في السلطة”، لم يصدر عن الحزب أي كلام يلاقي مبادرات الحريري. وهي كثيرة وليست واحدة.
فالرجل، وفي ذروة انسداد أفق الملف الرئاسي، بادر إلى تبني ترشيح أحد الأقوياء في تحالف 8 آذار النائب سليمان فرنجية، مرتضياً التسليم بالرئاسة لهذا الفريق رغم إدراكه أن مقايضة الرئاسة مع رئاسة الحكومة لا تجدي. فالحكومة، وإن كان رئيسها من 14 آذار، ستظل محكومة بالائتلاف والمساكنة القسرية التي تضعف قراراتها وصولا إلى تعطيلها.
لم يلاق الحزب المبادرة بالمثل، بل ازداد تشددا في التمسك بمرشحه العماد ميشال عون وفي الامتناع عن النزول إلى البرلمان وتعطيل النصاب.
بادر الرجل ثانية، في أوج الغضب السعودي، إلى المضي في الحوار الثنائي وعدم تعطيله، رغم قرار صقور “المستقبل” وقف الحوار لانعدام جدواه. وبادر ثالثة إلى دعوة الحزب الى ملاقاته بالعودة الى لبنان والجلوس معا، وما زالت الدعوة معلقة ولم تلق أي ردّ، وكأنها لم تحصل.
وحده الرئيس نبيه بري تلقف الدعوة وتولى الترحيب. وهذه حاله، بعدما تلقف أزمة الحوار الثنائي فتدخل عند الحريري للحؤول دون تعطيله.
قد يعتقد البعض أن الرجلين ماضيان في نسج “شيء ما”، بعدما أجمع كلاهما على أن إنجاز الاستحقاق الرئاسي بات قريبا، والتعويل على القابل من الأيام لبلورة النسيج الجديد.
لكن الأكيد، بحسب الأوساط “المستقبلية”، أن زعيم التيار لا يناور بمبادرته، وهو جدي في مد اليد، فيما يفترض أن يكون رأس الحربة السعودية في لبنان. وهذا ينطلق من اقتناع بأن اليد السنية وحدها لا تصفق في أي ملف، وخصوصا الرئاسي، من دون اليد الشيعية، بعدما رمى تحالف معراب الكرة في الملعب المسلم.
كما أن عودة الحريري الى لبنان والإقامة فيه لا تتم من دون ضمانات أمنية وإستعداد لمرحلة آتية لا يمكن الحريري أن يكون فيها خارجاً.