قبل قانون “قيصر” كانت الدولة اللبنانية تتجنب خوض أي مباحثات مباشرة مع السوريين حتى ولو من أجل التجديد لاتفاقية الكهرباء، التي كانت موقعة بين البلدين بأسعار زهيدة وانتهت مدتها ولم يحرك لبنان الغارق في العتمة ساكناً، ولا هو راجع السوريين بامكانية تجديد الاتفاقية من عدمها. ومع قانون “قيصر” زادت الاوضاع بين البلدين تعقيداً وتضاعفت مخاوف المسؤولين من الانفتاح وذهب المغالون الى حد التهويل بالعقوبات أكثر من واضعي القانون أنفسهم. وعدا عن حاجة لبنان الى تجديد اتفاقية الكهرباء، وبلغة الارقام، فان المستوردات اللبنانية من سوريا بلغت العام 2019 ما يقارب 92 مليون دولار، فيما بلغت الصادرات 190 مليوناً ليبلغ مجموع التبادل التجاري بين البلدين للعام نفسه 282 مليون دولار. ورغم ذلك اقفل لبنان باب التفاوض المباشر مع سوريا تجنباً لقانون “قيصر” واتجه صوب العراق لعله يستعين برئيس الوزراء ابراهيم الكاظمي الآتي الى رئاسة الحكومة على صهوة اتفاق ايراني اميركي. عرض العراق فلبى لبنان والعبرة في التنفيذ.
وعندما تحدث الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله عن امكانية الاتجاه نحو العراق كخيار يمكن ان يساعد لبنان على تخطي أزمته الاقتصادية نتيجة الحصار المفروض عليه اقتصادياً، كان كلامه مبنياً على معطيات متوافرة تمت بلورتها بزيارة قام بها مدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم الى العراق، وبحث مع المسؤولين العراقيين السبل الممكنة لمساعدة لبنان. خلال الزيارة استعرض العراقيون آفاق التعاون بين البلدين، حاجة لبنان الى النفط وحاجة العراق بالمقابل الى استيراد مواد غذائية وزراعات. إجتمع اللواء ابراهيم مع مسؤولين عراقيين وكان الاتفاق المبدئي على ان يزور رئيس الحكومة حسان دياب العراق للبحث في تفاصيل خطة تعاون مشتركة لما فيه مصلحة البلدين. كان الجانب العراقي سبق وطرح إعادة ترميم خط النفط العراقي السوري اللبناني، ثم أضيف اليه لاحقاً مشروع جديد للتعاون الاقتصادي. لكن مع الشروع بتطبيق مفاعيل قانون “قيصر” جمّدت المساعي كما جمّدت زيارة دياب لانشغال رئيس الوزراء العراقي ابراهيم الكاظمي بأمور داخلية حصلت في الآونة الاخيرة. فتم الاتفاق على زيارة وزير النفط العراقي احسان عبد الجبار على رأس وفد في محاولة لاستطلاع اجواء التعاون.
خلال هذه الزيارة اقتصر الحديث على العموميات وقد وضع الوفد خلال لقاءاته المسؤولين اللبنانيين اطاراً عاماً للمناقشات وحمل عرضاً مبدئياً لمد لبنان بحاجته من النفط مقابل مساعدات زراعية. وقد احتل قانون “قيصر” حيزاً مهماً من البحث، خصوصاً وان العراق من خلال رئيس حكومته ابدى استعداده للبحث مع الاميركيين حول استثناء لبنان من مفاعيل قيصر لحاجة لبنان الى التعاون مع سوريا، في مجالات التبادل التجاري وحاجة العراق الى الترانزيت من لبنان عبر سوريا، ما يعني استثناء لبنان من العقوبات التي يحددها قانون “قيصر” والتي يعتبر العراقيون ان القانون لا ينص على الغاء اتفاقيات تبادل تجاري، واستجرار الكهرباء والنفط وما الى ذلك وهو اقترح أن يتم الاتفاق على آلية للتبادل التجاري بين لبنان والعراق، والبحث لاحقاً في امكانية التعاون الثلاثي بين لبنان وسوريا والعراق، خصوصاً ان الأخير تمكّن من اقناع الاميركيين بوجود مصلحة عراقية للتبادل التجاري مع سوريا والترانزيت، ولم تكن الولايات المتحدة متشددة ازاء ذلك وهم ايضاً طلبوا استثناءات لاستجرار الطاقة والنفط من ايران، فوقعت العراق اتفاقية لمدة عامين فيما كانت اميركا تفضلها قصيرة المدى لا تزيد مدتها على ستة أشهر.
ومما يطرحه العراق مشروع تكامل اقتصادي بينه وبين لبنان وسوريا واقتراح اجراء محادثات ثنائية لبنانية عراقية، قبل الشروع في اي اتفاقيات ثلاثية والتفاهم بين لبنان والعراق حول موضوع النفط الذي يبدي العراق تقديمه للبنان بأسعار زهيدة وعلى دفعات او مقابل تعاون زراعي. والى حين تنضج المفاوضات بين لبنان والعراق تكون الصورة الاميركية قد توضحت اكثر في المنطقة ويكون قد حُدد موعد لزيارة رئيس الوزراء العراقي الى واشنطن، ليفاتح الاميركيين بمسألة استثناء لبنان من مفاعيل قانون “قيصر”. ويمكن للبنان ان يستفيد من العراق إما بالحصول على كميات من الفيول، او من النفط الخام وبيعه الى الشركات المتواجدة في عرض البحر مقابل الحصول على نفط مكرر، ما يحقق ارباحاً وفيرة للدولة. كما طرح العراق فكرة ترميم مصافي النفط وانشاء مصافٍ جديدة بدل تلك الموجودة حالياً، يمكن ان يساهم الصينيون في تسديد بدل كلفتها، هذا عدا عن خط غاز آخر جديد متوقف لخلاف اميركي روسي بشأن امتداده يشمل العراق، سوريا، لبنان وايران.
حاملاً أجواء عامة على مقترحات مبدئية غادر الوفد العراقي بعد لقائه المسؤولين في لبنان. هي الخطوة الاولى التي ستستكمل بزيارة وفد يترأسه دياب الى العراق لم تحدد بعد. لكن السؤال هل سيسمح الاميركي بإكمال مشوار التعاون بين لبنان والعراق ويعطي للكاظمي هذا الدور، وهو الذي خصص للعراق صندوقاً سيادياً يحدد من خلاله حاجات العراق بالقطارة؟