Site icon IMLebanon

ماذا يجري في العراق؟!  

 

أشكر الله تعالى، في بداية هذا التحليل، أن هناك تظاهرات احتجاجية على مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في قصف صاروخي أميركي، استهدف موكبا لميليشيا الحشد الشعبي المدعومة من إيران، وقتل الى جانبه نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي في العراق أبو مهدي المهندس وعدد من المرافقين العراقيين والإيرانيين.

 

سليماني الذي حكم أربع دول عربية: سوريا ولبنان والعراق واليمن، قتل بواسطة طائرة Dragon مسيرة، من دون طيار، على يد فتاة أميركية في ميامي في العشرين من عمرها، كانت تلهو على «الكومبيوتر»، فتلقت أوامر بوضع يدها على «زر»… فأصابت العملية من سليماني مقتلاً ومعه نائب رئيس الحشد الشعبي ابو مهدي المهندس كما أشرنا.

 

أقول: الحمدلله، اننا وبعد مرور عام على عملية الاغتيال هذه، استطعنا إقامة تظاهرات في سوريا واليمن ولبنان والعراق، وبمعنى أدق، في الدول التي تحتلها إيران حاليا، بالإتفاق مع أميركا…

 

قد يفاجأ البعض بإقحام اسم أميركا في عملية احتلال ايران لهذه الدول… لكنني أقول: لا يُظُنّنَ أحد، ولو للحظة واحدة، ان أميركا لا تعلم او هي جاهلة بما يحصل.

 

وأنتهز هذه الفرصة لأقول لشعوب هذه الدول، المغلوبة على أمرها، أن التظاهرات لن تعيد الجنرال سليماني ولا المهندس، فلو كان التظاهر يحيي الأموات، وتعيد أحدا الى هذه الدنيا، لكان بمقدورنا إعادة آبائنا وأحبائنا، لكن الموت هو نهاية مرحلة… أما مرحلة ما بعد الموت، فالأديان تحدثت عنها بما فيه الكفاية.

 

أعود في مقال اليوم، الى العام ١٩٧٣… يوم كنت معتادا على الذهاب الى الكويت مستقلاً سيارتي بصحبة مديرنا الكبير الأستاذ ألبير فريحة… كنا نترك بيروت عادة في الصباح الباكر… فنصل الى بغداد ليلاً، حيث ننام فيها، ونتوجه في صباح اليوم التالي الى الكويت فنصلها عند السابعة مساء.

 

خلال إحدى زياراتي، حصل عطل في سيارتي، حين كنت لا أزال في بغداد، واضطررت الى استئجار سيارة «كميون»، لتنقلني وسيارتي، عائداً الى بيروت.

 

كنت أتحدث مع سائق »الكميون« خلال رحلة العودة هذه، فكان السائق يحدثني عن روعة الطرقات، قائلاً: «ان هذه الطرقات كلها من «عمل» الرئيس عبد الكريم قاسم». وأردف قائلاً: «لكن أيدي الغدر اغتالته، وتآمرت عليه، لأن أصحاب هذه الأيدي، مصممون على إنهاء كل زعيم وطني، ووضعه إما في القبر، او في السجن».

 

وفي العام نفسه (١٩٧٣)، تلقيت دعوة خاصة لزيارة العراق، من صديق عزيز، هو الاستاذ حسن حميّة، رحمه الله تعالى، وكان يعمل يومذاك مع نقيب الصحافة الأسبق رياض طه، في الكفاح العربي.

 

في بغداد دُعينا الى مؤتمر صحافي، حيث أعلن القائد صدام حسين وكان يومذاك تسلّم مركزه من الرئيس أحمد حسن البكر «ان العراق قرّر إلغاء الاتفاق المُبْرم مع شركات النفط البريطانية، وهو سيعمد الى تصدير نفطه، وبالتالي سيصادر جميع ممتلكات الشركات العاملة في مجال النفط بالعراق… وهذا ما حصل بالفعل».

 

أذكر انني اجتمعت في تلك الليلة، مع صديقي الاستاذ حسن حميّة، وقلت له: «أنا خائف» واللهِ على العراق، فهذا البلد غني، يتميّز بموارده البشرية، بينما عدد سكانه عشرات الملايين من المتعلمين والأطباء والمهندسين والعلماء وأساتذة الجامعات. وهذا ما يخيفني، لأن قوى «خارجية لا بدّ وأن تتآمر عليه». أجابني: «أنت متشائم جدا». قلت: «يا صديقي، اللعب مع الكبار خطر، فالدول العظمى لن تترك العراق على حاله… انتظر وسنرى».

 

تركته في بغداد، وأكملت طريقي الى الكويت، فأنهيت بعض الأعمال، ثم عدت الى بيروت.

 

أيام معدودات، مضت على هذه الحادثة… وبدأت مشاكل العراق… وأولى هذه المشاكل أن العراق لم يعد يستطيع بيع ولو برميل نفط واحد. وأؤكد أنه لولا حرب ١٩٧٣، ولولا القرار التاريخي الذي اتخذه المرحوم الملك فيصل بن عبد العزيز، «بقطع» النفط عن الغرب، لكان العراق انتهى منذ ذلك الوقت، لكن ربّك «لطف»، إذْ استفاد العراق من الحرب، وباع نفطه بسبب انقطاع النفط عن دول العالم.

 

هنا، وللتاريخ أقول: تعرّفت خلال المؤتمر الصحافي في بغداد على الصحافي الفرنسي اليهودي «اريك رولوا»، الوحيد الذي كان يزور القاهرة لإجراء حوار مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، من دون موعد مسبق.

 

كما أذكّر هنا أنه في العام ١٩٨١، وجهت إسرائيل ضربة للمفاعل النووي العراقي، ولم يُفْصَحْ عن الخبر إلا بعد حين، تماماً كما حدث عام ٢٠٠٠ حين دُمِّرَ المفاعل النووي السوري.

 

تذكرت كل هذا، وأنا استمع الى ما يقوله رئيس الوزراء العراقي الحالي، مصطفى الكاظمي، الذي قرّر استدانة أربعة مليارات ونصف المليار من الدولارات، لتأمين رواتب عناصر جيشه وقوى الأمن الداخلي والموظفين.

 

اسْتَعَدْتُ ذكريات العام ١٩٨٠، حين دخلت دولة العراق الحرب ضد إيران، وخزينتها تحتوي أكثر من ٨٠٠ مليار دولار… لكن، وجراء هذه الحرب المدمّرة، كبّدت العراق خسائر بأكثر من ألف مليار دولار، وديون تناهز القيمة نفسها، ناهيك عن الأموال التي تلقاها العراق من المملكة العربية السعودية والكويت وقطر والبحرين والامارات العربية المتحدة، لكنّ الحرب، أثقلت كاهل العراق، فتبدّدت كل هذه الأموال.

 

من هنا أقول اليوم: «ان الكلام الفارغ والتظاهرات لن تعيد العراق الى ما كان عليه.. لن يعود العراق إلا من خلال وحدته الوطنية… فالعراق يجب أن يكون أولاً وأخيراً، ولا مصلحة لأحد فوق مصلحة الوطن وشعبه.. وأعتقد وبكل موضوعية ان الرئيس الكاظمي يسير بحكمة وفي الطريق الصحيح، وانه وضع مصلحة العراق فوق كل مصلحة أخرى».