IMLebanon

العراق في المعادلة الإقليمية: نقاط القوّة… ونقاط الضعف!

 

ان الظروف السياسيّة الحاليّة في المنطقة، تطرح بشكل واضح الوضعية الجيو- سياسية لدول المنطقة، ومدى تجاوبها مع هذه الظروف سلباً أم ايجاباً. ذلك ان لكل دولة من دول المشرق العربي واقعها واعتباراتها وحساباتها السياسيّة، التي تملي عليها مواقف معيَّنة ليست دائماً خلاصة التحليل العلمي الصحيح. فلو أخذنا الجمهوريّة العراقية كمثال ماذا نستطيع أن نرسم الواقع الجيو- سياسي لها من حيث نقاط القوّة ونقاط الضعف فيها. وانطلاقاً من ذلك نتبيّن دور بلاد الرافدين في المعادلة الاقليميّة الشرق أوسطيّة.

 

1 – في العودة الى الكتب والوثائق المتعلقة بدول المشرق العربي بما فيها العراق يتبيّن الواقع والأرقام التالية، حول العراق:

 

مساحة العراق: 424 الف كيلو متر مربع.

 

عدد السكّان: 39,3 مليون نسمة (احصاء 2020).

 

الدخل العام: 224,5 مليار دولار.

 

معدّل الدخل الفردي نحو: 7000 دولار.

 

اللّغة : عربيّة وكرديّة.

 

الدّيانة: اسلامية بأكثرية شيعية (بين 60-65% شيعة و 35-40% سنة، مسيحيون 3%).

 

نسبة التعليم : 82,5 %.

 

معدّل الحياة : 71 سنة.

 

معدّل البطالة : 11 %.

 

2 – قد يخيّل للبعض اننا نكتب خارج الموضوع إذ نعرض لأوضاع العراق الخاصّة في هذه المرحلة. والصحيح، كما سيتبيّن لاحقًا، اننا نكتب في صلب الموضوع لأنّ موضوع العراق هو موضوع محوري في الصراع الجيو- استراتيجي حول منطقة الشرق الأوسط. فبلاد الرافدين واقعة بين أربع جهات تتجاذبها:

 

– ايران لأسباب دينيّة شيعيّة خاصّة وأن غالبية مسلمي العراق هم من الطائفة الشيعيّة (بحدود 60-65%) ولكن شيعة العراق يقفون في غالبيتهم مع الإمام السيد مقتدى الصدر الزعيم الشيعي العراقي الذي لا يماهي بين كونه شيعياً وضرورة الالتحاق بإيران. بل هو شيعي عربي عراقي حصل على أعلى نسبة من التصويت في الانتخابات العراقية الأخيرة جعلته الحزب الأول في العراق. وهذا يذكّر اللبنانيين بدور الإمام المغيّب موسى الصدر الذي كان يعمل تماماً في لبنان ما يعمله الإمام مقتدى الآن في العراق، أي ربط ولاء الشيعة بأرض الانتماء القومي. وهذا يذكّر بشعار الإمام موسى الصدر الشهير: «لبنان وطن نهائي لجميع ابنائه». هذه النهائية هي التي عجّلت في التخلّص منه على يد أعداء الكيان والإيمان.

 

– اميركا لأسباب اقتصادية على رأسها الطاقة، ذلك ان العراق يمتلك أغنى حقول للنفط في العالم (380 مليار برميل) ومن أفضل الأنواع وأقلها كلفة في الاستخراج لقربها من سطح الأرض. وهو ما يجعل العراق مساحة استراتيجية ذات اهتمام استثنائي في الاستراتيجية العالميّة الأميركيّة!

 

– تركيا التي لديها حدود مع العراق ( 352 كلم ) وتشكّل الزاوية الثانية لجغرافيا العراق المصنّف في خانة طبيعة الدوّل بأنّه دولة زاوية (angulaire). وهذا يجعل العراق بلداً يتجاذبه جاران بشكل دائم. إيران بحدود 1450 كلم وتركيا.

 

– العالم العربي الذي يشكّل الاطار الجغرافي والبشري (العربي) والحياتي (المائي عبر نهري دجلة والفرات). ان تعرّض العراق تاريخياً، واستمراره في التعرّض حالياً، لسعي جارتيه وخاصّة ايران لإلحاقه بها دينيا واستراتيجياً، هو الذي جعل الانسان العراقي اكثر ميلاً الى العودة الى أصوله القوميّة العربيّة في وجه القوميتين الفارسيّة والتركيّة. ولهذا كان استاذنا المرحوم انطون غطاس كرم يقول لنا في الجامعة اللبنانية، وهو يدرّسنا الشعر العربي وتحديداً المتنبي يقول: المتنبي (وهو من أصول عراقية كوفية) هو أوّل منشد للقوميّة العربيّة في القرن العاشر الميلادي (الرابع الهجري) إذ في زيارته «لمغاني الشعب» الفارسية يقول:

 

مَغاني الشَعبِ طِيبًا في المَغاني

 

بِمَنزِلَةِ الرَبيعِ مِنَ الزَمانِ

 

وَلَكِنَّ الفَتى العَرَبِيَّ فيها

 

غَريبُ الوَجهِ وَاليَدِ وَاللِسانِ

 

3 – أكثر وأبعد من ذلك ، ينبغي أن نتبصّر أكثر في معنى «اللقاء الأخوي الخاص» الذي دعا اليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بحضور خمسة رؤساء عرب: مصر والامارات والعراق والاردن والبحرين. وأعرب الرئيس المصري عن التقدير والمودة التي تكنّها مصر قيادةً وشعباً للأواصر التاريخيّة الوثيقة التي تجمعها بأشقائها من الدوّل العربيّة وذلك بهدف التعاون في ما بينها.

 

ان مؤتمر العلمين الخماسي في مصر هو في حقيقته موقف عربي لاحتواء العراق بالدرجة الأولى، ومنع سقوطه في حضن الجمهورية الايرانية. وما يحدث الآن في العراق من صراع على السلطة ونتائج الانتخابات واعادتها واستخدام أساليب الفرض بالقوّة واحتلال البرلمان والتظاهرات كأساليب للتعبير عن رفض العودة الى الأساليب الماضية البالية. كل ذلك هو أشبه بالمحاولات من أكثر من طرف لاحتواء الجمهورية العراقية: دينياً وجغرافياً وبشرياً.

 

4 – إن العراق، نظراً لتركيبته الدينيّة والقوميّة والجغرافية والديمغرافية (تواجد الأكراد الى جانب العرب) كل ذلك يجعل من أرض الرافدين بلداً سريع العطوبيّة على يد المعنيين به القريبين منهم والأبعدين. ولأنّه ذو أهميّة استراتيجيّة استثنائيّة للمشرق العربي وللعالم العربي قاطبة، سارع الرئيس، المصري السيسي في عقد المؤتمر الخماسي كي يمنع الضغوطات التي يتعرّض لها العراق سياسياً ودينياً وعسكرياً من التأثير على مصيره السياسي واخراجه من المنظومة العربيّة. فمصر بزعامة الرئيس السيسي تدرك تماماً أهميّة العراق ودوره الفاعل في تقرير المصير العربي حاضراً ومستقبلاً.

 

****

 

ان حرص الإمام السيد مقتدى الصدر على تأكيد وتثبيت عروبة شيعة العراق والسعي لاستلام السلطة في وجه خصومه من السنة والشيعة على السواء، كل ذلك يبرز الوجه الداعي للصراع داخل العراق على مفترق القرن الحادي والعشرين. وسيكون من الصعب منذ الآن التكهّن بما ستؤول اليه الأحداث في السنوات المقبلة..

 

.. لكن المؤكد ان العراق كان وسيبقى نقطة لقاء وافتراق بالنسبة لدعاة القوميّة العربيّة وبالنسبة لمصير المفهوم الشيعي هو المفصل المركزي في كتابة تاريخ الأديان.