IMLebanon

جاءوا بالخميني ليحارب صدّام وينهي الجيش العراقي!!

 

 

اليوم وبعد مرور 45 سنة على عودة الإمام آية الله الخميني، بدأنا نعرف سر تنقله منفيّاً من النجف الى باريس ثم عودته الى طهران.

 

صحيح أننا نعلم ان المخابرات المركزية الاميركية (CIA) هي التي استأجرت البيت الذي كان يسكن فيه الخميني… وبات السبب معروفاً وهو ان الاميركيين وكما قال شاه إيران في مقابلة مع إحدى المجلات عام 1976 «إنّ الذي يحكم أميركا هم الصهاينة، وأنّ أميركا مستعدّة لتعمل كل شيء من أجل إسرائيل».

 

اليوم سنفسّر كيف أرسل الرئيس صدّام حسين أحد المسؤولين عن اللاجئين السياسيين في العراق واسمه علي رضا باوه وهو شيعي، وكان على علاقة جيدة مع آية الله الخميني خصوصاً انه جلب جثة ابن الخميني مصطفى الذي قتل أيام الشاه، وهذا جعله مقرّباً من الخميني. ماذا جاء في الرسالة والتي نوردها تحت عنوان: «مَن بادر بالحرب العراقية – الايرانية (القادسية الثانية)؟»

 

في مكتب الرئيس صدّام حسين، وفي ليلة من ليالي الشتاء في مطلع شهر نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1978، طلب مني الرئيس صدّام استدعاء أحد رفاقه الحزبيين القدامى.. لمقابلة عاجلة. ولما كان هذا الرفيق القديم قد تعرّض لمشكلة شخصية سجن بسببها خمس سنوات، وأمضى منها سنتين، وشمله الرئيس صدّام بعفو خاص، فتقاعد بعدها من الحزب ومن الدولة. وكان من الصعب معرفة رقم هاتفه أو عنوانه. أبلغت الأمن بضرورة الوصول إليه وحضوره الى استعلامات القصر الجمهوري عاجلاً.

 

وفي اليوم الثاني، حضر الرفيق علي رضا باوه فاستقبله الرئيس بالأحضان.. وبعد سؤاله عن أحواله وأسرته شكر علي الرئيس على هديته له قبل شهور… وكانت كالعادة سيارة «صالون مرسيدس» ومسدّس وعشرة آلاف دينار. وكانت هذه عادة الرئيس فهو دائم التفقّد لرفاقه الحزبيين القدامى حتى ولو انقطعوا عن العمل.

 

سأل الرئيس صدّام الرفيق علي: كيف هي علاقتك مع الخميني؟ ارتبك علي ليقول: كانت علاقتي مع الخميني خلال إقامته في النجف لاجئاً، بحكم مسؤوليتي الرسمية عن مكتب حركات التحرّر الذي يتبع له اللاجئون السياسيون الأجانب في العراق. وانقطعت العلاقة منذ رحيل الخميني من العراق.

 

الرئيس صدّام: أخ علي. أريد أن أكلفك بمهمة سرّية وخاصة جداً. أسأل عن جو العلاقة الشخصية بينكما، وهل يقدّرها الخميني؟ وهل يكنّ لك وداً مثلاً؟!

 

الرفيق علي: سيّدي الرئيس… الإمام يقدّر لي كثيراً موقفي عندما أعدم الشاه ولده البكر مصطفى وقمت بجلب جثمانه من طهران لدفنه في مقبرة النجف على نهج الشيعة، وأشرفت على الدفن والتعزية.

 

قال صدّام له: يبدو أنّ حكم الشاه يلفظ أنفاسه الأخيرة، و»الشايب» يقصد الخميني «جايي» الى طهران. أريد منك أن تذهب في رحلة سريعة الى باريس، وتقابله بحجة السلام عليه، وأنك وصلت باريس للعلاج ولا يمكن أن تغادر من دون السلام على الإمام، وهو يعلم أنك من الشيعة وتصطحب معك الرفيق كريم فهو صغير السن ويمكن أن تقدّمه بأنه ابن اختك ويرافقك في المشفى. أريد أن تجسّ نبضه «شنو يفكر» نحو العراق الذي أقام فيه 14 سنة، وماذا يضمر؟

 

وعلى متن الخطوط الجوية العراقية، في اليوم الثاني، غادرنا معاً أنا والاستاذ علي رضا باوه فوصلنا مساء، وكانت عاصمة النور تحت وابل من المطر، على حد قول الشاعرة العراقية لميعة عمارة:

 

نزلنا في فندق «الشانزليزيه» ذي الأربع نجوم، وفي الصباح استقلينا تاكسي يقوده شاب جزائري يقيم هناك ليأخذنا الى العنوان، وعندما وصلنا الى ڤيلا «نوفل لو شاتو» في قرية جميلة قرب باريس. عند الباب، لاحظنا ان الدار تزدحم بكاميرات التلفزة مع مصوّرين وصحافيين كثر وزوّار. سألنا شرطي فرنسي: الى أين؟ أجبناه: «visitors» بالانكليزية، وربما لم يفهمها.

 

وفي هذه الأثناء لمحنا شاباً من مكتب الإمام، تعرّف فوراً الى علي، وقال بالعربية: «أهلاً علي». كان ذاك الشاب هو صادق قطب زاده وهو طالب إيراني يدرس في فرنسا ويقوم بمهمة سكرتير الخميني، وسبق له انه كان يتردّد على مدينة النجف.

 

بادره علي: أنا في رحلة علاج شارفت على الانتهاء، ورغبت في السلام على سيّدنا ومولانا وتحيته، وأيضاً ننهل من بركاته بالشفاء.

 

أجاب صادق قطب زاده: إنّ مواعيد الإمام هذا اليوم مزدحمة جداً، وسأحدّد موعداً لكم، فاترك لي العنوان ورقم الهاتف.

 

في تلك الليلة رنّ الهاتف في «استقبال الفندق»، وكان على الطرف الآخر صادق قطب زاده، والذي أصبح وزيراً للخارجية الايرانية سابقاً، وقد أعدم بسبب اتهامه بالتجسّس في ما بعد…

 

أخ علي: موعدكم مع السيّد غداً الساعة 11 صباحاً.

 

وفي الموعد الجديد وصلنا مقر إقامة الخميني، وأدخلنا زاده فوراً على الإمام.. إنّ الخميني يفضّل الجلوس عند المدخل تحت شجرة تفاح حين يكون الطقس صحواً. وخلال خطوات الطريق همس علي في أذني: أرجوك يا كريم قبّل يد الإمام كما أفعل أنا كي لا يتوجّس شراً، فهذه طريقتنا نحن الشيعة.

 

شاهدت الخميني مبتسماً لقدوم هذا الزائر العراقي له وبادره: «أهلاً علي، صديقي القديم وعدوّي في آن معاً». وكان الخميني يتحدّث العربية الفصحى. فردّ علي: «صديق هاي مفهومة  بس عدو شلون».!!!

 

قال الخميني: نعم صديق لأنني لا أنسى لك ما قدّمته لي خلال إقامتي في النجف من أفضال خصوصاً جهودك العظيمة في جلب جثمان ولدي مصطفى من طهران ودفنه في النجف الأشرف. أما عدو فلأنك من جماعة صدّام…!!!

 

ضحك قليلاً ثم أردف: كيف أحوالك، سمعت أنّ صدّام أقدم على حبسك؟!

 

ردّ عليّ: «لا سيّدنا لم يحبسني هو… إنما وقعت لي مشكلة عائلية وقد أخرجني بعفو خاص.

 

المهم.. سيّدنا إن شاء الله تكون في طهران قريباً، وأكيد ستكون علاقتك مع العراق الجار وبلد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وأرض الأئمة الأطهار جيدة ونستبشر بك خيراً…!!»

 

امتقع وجه الإمام ليرد: «لا… لا أبداً… أوّل شيء سأقوم به إن عدت لإيران هو إسقاط صدّام و»البعث» الكافر وتحرير شيعة العراق من الظلم…!!!»

 

أنا مهمتي كانت الاستماع للحوار، بينما كانت ساعة يدي التي ارتديها تسجّل كل كلمة… المهم بعد أحاديث جانبية، قال له علي: «استأذنك سيّدنا، لأنني عائد مع ابن اختي الى بغداد غداً». ثم قبّله وقبّل يده.

 

في اليوم التالي، كان هناك تقرير بخط علي رضا عن المقابلة كتب فيه كل ما جرى من حوار وختمه بعبارة: «سيّدي الرئيس: إنّ السيّد يقول: إنّ أوّل ما أفعله عندما أحكم طهران هو إسقاط صدّام والبعث…» ولم يكن الرفيق علي يعرف ان الرئيس صدّام كان قد استمع كاملاً للتسجيل في ساعتي، وقد نقلته المخابرات الى أوراق.

 

بعدها باشر صدّام بالعمل على استمالة الشيعة في العراق وعزّز من تواجدهم في المناصب القيادية واستغنى عن تزويد الجيش العراقي بالعتاد.

 

وهذا ما فعله عندما عمدت طائرتان الى قصف بغداد بتاريخ 4 أيلول عام 1980 وأسقطت إحداهما قرب نهر دجلة وأُسر الطيار.

 

وهذا واضح كي لا يقول أحد إنّ العراق هو الذي بدأ الحرب مع إيران.