ليس معروفا هل من افق لتحرّك اهل منطقة الأهواز في الجنوب الإيراني. الامر الوحيد المعروف انّ النظام القائم في ايران عاجز عن التعاطي مع ازمته المعقّدة التي هي ازمة النظام نفسه منذ قيامه في العام 1979، قبل ايّ شيء. هناك نظام يريد لعب أدوار على الصعيد الاقليمي تفوق حجم ايران، بدل الانصراف الى الداخل الإيراني، بما في ذلك مشاكل المواطنين في محافظة خوزستان التي كانت في الماضي منطقة الأهواز، وهم عرب من الشيعة والسنّة في الوقت ذاته.
لأهالي الأهواز مطالب محدّدة في مقدّمها المعاناة من الشح في المياه. إضافة الى ذلك، إنّهم يتعرضون لظلم تاريخي وتمييز نظرا الى اصولهم العربيّة في ظلّ نظام يحتقر كلّ ما هو عربي في المنطقة من منطلق تفوّق الحضارة الفارسيّة. رحل الشاه ولم يتغيّر شيء في السلوك الإيراني تجاه المنطقة العربيّة كلّها. لا يدلّ على ذلك اكثر من احتلال ايران الجزر الاماراتيّة الثلاث (أبو موسى والطنب الكبرى والطنب الصغرى) منذ العام 1972!
اخذ تحرّك عرب الأهواز بعدا جديدا بعدما اطلقوا في تظاهراتهم الاخيرة شعارات معادية لـ«المرشد» علي خامنئي ولنظام «الوليّ الفقيه» الذي اسّسه آية الله الخميني بعد انتصار الثورة الشعبيّة على الشاه ووضع يده عليها. حصل ذلك عن طريق خطوات مدروسة ادّت الى قيام «الجمهوريّة الاسلاميّة» بديلا من حكم مدني ودستور عصري دعت اليه شخصيات مهمّة لعبت دورا محوريّا في نجاح الثورة. كان من بين هذه الشخصيّات مهدي بازركان الذي رأس اوّل حكومة في مرحلة ما بعد سقوط الشاه.
عاجلا ام آجلا سيقمع «الحرس الثوري» ثورة الأهوازيين في محافظة خوزستان التي كانت في الماضي القريب إمارة عربيّة مستقلّة عن ايران. الماضي القريب هنا هو العام 1925 حين اجتاح رضا بهلوي (والد الشاه الذي اسقط في 1979) الأهواز واسر اميرها الشيخ خزعل الكعبي ووضعه في الإقامة الجبريّة في طهران. قصّة الأهواز طويلة ومرتبطة باكتشاف النفط فيها واهتمام بريطانيا بعلاقة مميّزة مع ايران بعد انتهاء الحرب العالميّة الأولى وانهيار الدولة العثمانية. اختارت بريطانيا فصل الأهواز عن العراق كي لا يكون الشيخ خزعل ملكا على العراق وعربستان. سلّمت العرش في العراق الى الهاشميين عبر فيصل الاوّل. غيّر رضا بهلوي اسم الأهواز الى خوزستان واسم المدينة الاهمّ فيها وهي المحمّرة الى خورمشهر. اكثر من ذلك، سعى الى تغيير التركيبة الاجتماعيّة في منطقة الأهواز عن طريق خلق استيطان فارسي فيها والإتيان بفرس من خارجها للعمل في مجال استخراج النفط وصناعته.
كما العادة سيستخدم «الحرس الثوري» الذي هو بإمرة «المرشد» القوّة من دون رحمة بالناس ومن دون طرح سؤال بديهي يتجاوز لغة القمع، سؤال من نوع لماذا تحرّك الأهوازيون؟
يعبّر تحرّك الأهوازيين عن فشل ليس بعده فشل لنظام أطلق منذ قيامه شعارات يعجز عن تنفيذها. احد هذه الشعارات توقّف ايران عن ان تكون دولة يعتمد اقتصادها على النفط والغاز. في مرحلة ما بعد نجاح الثورة، تعتمد ايران على الدخل الآتي من النفط والغاز اكثر مما كان تعتمد على ذلك في عهد الشاه. كلّ ما في الامر انّ «الجمهوريّة الاسلاميّة» قررت التغطية على مشاكلها الداخلية، بما في ذلك ان اكثر من نصف الشعب يعيش تحت خطّ الفقر، عن طريق الهرب الى الخارج. على من يريد الهرب الى الخارج ولعب دور القوّة الاقليميّة المهيمنة امتلاك اقتصاد قويّ بدل ان يكون في كلّ وقت اسير لعبة ابتزاز لم تسفر حتّى الآن سوى عن تصدير الخراب والدمار. ليس مصير الاتحاد السوفياتي سوى مثل صارخ على ذلك.
أينما حلّت ايران، يحل الخراب والدمار. من يحتاج الى امثلة على ذلك يستطيع النظر الى ما حلّ بالعراق وسوريا ولبنان واليمن حيث تعمل الميليشيات المذهبيّة التابعة لإيران بكلّ راحة. ماذا حلّ بغزّة بسبب صواريخ ايران ودعمها لحركة «حماس» بالمال والسلاح منذ سنوات طويلة؟
يشير ما تشهده الأهواز في هذه الايّام الى فشل إيراني ليس بعده فشل. لم ينقلب اهل الأهواز على النظام لدى وقوع الحرب مع العراق بين 1980 و1988 على الرغم من ان الجيش العراقي استطاع في بداية تلك الحرب احتلال مناطق واسعة في الأهواز، بما في ذلك خورمشهر (المحمّرة). كان رهان صدّام حسين، الرئيس العراقي وقتذاك، والمحيطين به على انّ الأهوازيين سيقفون معه. لم يحصل ذلك. كانت حساباته خاطئة مثل الحسابات الإيرانية التي راهنت، بعد تراجع الجيش العراقي، على ان جنوب العراق سيكون لقمة سائغة لـ»الجمهوريّة الاسلاميّة» في ضوء وجود اكثريّة شيعية فيه.
لم ينقلب الأهوازيون على ايران على الرغم من كلّ الممارسات الظالمة التي تعرّضوا لها. من انقلب على الأهوازيين هو النظام الإيراني نفسه الذي ليس لديه ما يقدّمه لشعبه. سيتمكّن النظام من السيطرة على التحرّك الأهوازي على الرغم من تمدّده في مناطق إيرانية مختلفة وصولا الى محطات للقطارات في طهران حيث اطلقت شعارات معادية لخامنئي. ولكن ماذا بعد ذلك؟
لن يكون من مفرّ من طرح السؤال البديهي: هل تستطيع ايران ان تكون دولة طبيعيّة ام لا؟ تستطيع ايران ممارسة كلّ الأدوار التي تمارسها حاليا، لكنّه كان كافيا ان تفرض عليها إدارة دونالد ترامب عقوبات قاسية كي يعاني اقتصادها الامرّين وكي تهرب في اتجاه الصين. لا تدرك «الجمهوريّة الاسلاميّة» انّ الصين ليست جمعية خيريّة وأن التعاطي بشفافية مع «الشيطان الأكبر» الأميركي يبقى افضل بكثير من التعاطي مع الصين التي هي قوّة امبرياليّة حقيقية. الصيت الامبريالي لاميركا هو صيت بالاسم فقط. الصيت الامبريالي الفعلي هو للصين الجائعة دائما الى الطاقة وإلى الرغبة في الحصول عليها بأبخس ثمن!
مرّت اكثر من أربعة عقود على قيام «الجمهوريّة الاسلاميّة» في ايران. حققت نجاحات كبيرة في العراق وسوريا ولبنان واليمن. لا تعني هذه النجاحات ايّ انجاز لا على الصعيد العمراني ولا على الصعيد الإنساني ولا على صعيد تصالح ايران مع محيطها. كلّ ما تحتاجه ايران هو الى مصالحة مع نفسها. يعكس ما نراه حاليا في طريقة تعاملها مع الاهوازيين عن عجز في ذلك. هذا عجز أدى نتائج سلبيّة على المنطقة كلّها وصولا الى جعل مستقبل بلد مثل لبنان، المزدهر الى ما قبل سنوات قليلة، في مهبّ الريح…