كانت زيارة وزير الخارجية الايراني الى لبنان فرصة له للمساهمة في فك الحصار عن ايران وليس كما حاول القول مساهمة في فك الحصار عن لبنان.
فلبنان ليس محاصراً بالبوارج ولا بالعقوبات الاجنبية، بل هو يكاد يختنق بسبب حجم التعاطف الدولي معه ومع شعبه. ومن يحاصره هم مجموعة السياسيين ورجال المال الذين افقروا شعبه ونهبوا ماله. هؤلاء ارتاحوا الى نظام المحاصصة والتغاضي المتبادل واعتبروا بلدهم مجرد بقرة حلوب أمعنوا في سرقة حليبها الى أن جف ضرعها. وهم كذلك من حوّل بلده بالتراضي أو بالخنوع ودائماً مقابل فائدة ما، الى منصة للعدوان الكلامي والسياسي والفعلي على دول عربية هي الامتداد الطبيعي للبنان وأحد مقومات ازدهاره، ولسنا في حاجة للتسمية فالإناء السياسي اللبناني ينضح بمن فيه.
لبنان منهوب على يد هؤلاء وليس محاصراً كما بنى عبد اللهيان نظريته ليقول بأن ايران هي الفارس المغوار، الذي هبّ ليرمي بسهامه ويبتر بسيفه محاصري “البلد الشقيق” و “الصديق” و”الشريك”.
لم تبق صفة لم يسبغها حسين امير عبد اللهيان على علاقة بلاده ببلاد الارز، ليظهر وكأن بيروت جارة لتبريز ولبنان ولاية ذات حكم ذاتي على اطراف خورمشهر.
يُشْكَر الوزير الايراني على عواطفه الجياشة، غير انه حتى مستقبليه، وبينهم حلفاء واصدقاء واتباع، لم يتمكنوا من مجاراته في حماسه، ولم ينفع المازوت في اكثر من زيادة حزنهم “العميق”. رئيس الجمهورية شجعه على مواصلة حوار الجوار مع السعودية، ووزير الخارجية تمنى له النجاح في المفاوضات النووية لينعكس ذلك ايجاباً على الجميع، وفي مقري رئاستي مجلس النواب والحكومة دار حديث الود والتعاون.
مع ذلك انخرط اللهيان في خطاب فاق توقعات محدثيه وكأنه قطع كل تلك المسافة من طهران الى موسكو الى بيروت ليقول ما قاله بمعزل عما سمع أو سيسمع.
مارس نوعاً من المونة العالية التخصيب في وزارة الخارجية. حرص من على منبرها على توجيه التحية لرموز عسكرية ايرانية قضت في معارك ايران مع خصومها، وهو ما فعله في مؤتمر دول الجوار في بغداد، واعلن كسر الحصار الاميركي الصهيوني على لبنان ثم تبرع ببناء محطتي كهرباء حدد موقعهما وابدى استعداده لإعادة إعمار مرفأ بيروت…
لم يتوقف العالم السياسي كثيراً عند هذه التقديمات. ما استوقفه نقطتان الاولى تتعلق بالحوار الايراني السعودي وعزم ايران على مواصلته، والثانية استعداد ايران لمواصلة مفاوضات الملف النووي. حديث اللهيان في هذين الموضوعين استأثرا بالاهتمام الخارجي اما حديثه عن محطات الكهرباء واعمار المرفأ فقد ووجه بموجة سخرية وانتقاد في ايران نفسها. هناك قالوا له: أعد بناء خوزستان قبل ان تعيد بناء لبنان، وكرر المغردون اللازمة نفسها عن حاجة ايران الى الدواء والمحروقات والغذاء بدل ان يتم التبرع بها لصناعة مواقع نفوذ في الخارج.