IMLebanon

إيران ولبنان المهلهل

 

 

بعيداً عن سفسطة “الحكي الانتخابي” اليومي والحروب الكلاميّة اليوميّة التي يشنّها الأفرقاء اللبنانيّون على بعضهم البعض خصوصا التي يشنّها حزب الله على من يُدرك أنّهم ذاهبون باتّجاه فوز انتخابي كبير، تبقى إيران وأجندتها في لبنان والمنطقة الحقيقة الوحيدة التي تحتاج إلى قراءتها كلّ صباح ومساء، لأنّ حزب الله هو الطرف الوحيد في ما يُسمّى “محور المقاومة” خصوصاً أنّه مرّ ما يقارب التسعة عشر عاماً على سقوط العراق الذي آذن بسيطرة إيران على المدن الاستراتيجيّة في المنطقة!

 

بعد تسعة عشر عاماً السؤال الجدّي الذي على جميع اللبنانيّين طرحه على أنفسهم: هل فعلاً نجحت إيران في السّيطرة على لبنان؟ قد يوحي المشهد العام أنّ إيران قد نجحت في هذا الأمر على مستوى لبنان والمنطقة، ولكنّ الحقيقة التي لا تقبلُ الشكّ هي أنّ إيران فشلت حتى الآن في السّيطرة التي لا تعني الإمساك بزمام الأمور، وأنّ ما نجحت فيه إيران عبر أدواتها هو زعزعة أمن المنطقة. أمّا في ما يخصّ لبنان فالحقيقة لا تحتاج إلى كثير تفصيل، فمنذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري نجح حزب الله في التصّدر للسّيطرة على لبنان، لكن كلّ هذه المحاولات فشلت بالرّغم من إصرارها المتكرّر، وجلّ ما حقّقه حتى الآن هو عمليّات التّعطيل المتكرّرة مرّة بعد أخرى، وهذه المحاولات ستستمرّ في التّكرار لأنّ لبنان على ضعفه الشّديد أشبه بقلعة شديدة الصدّ والصّمود في وجه كلّ محاولات السيطرة عليه نهائيّاً.

 

صحيح أنّ النّاظر إلى لبنان من خارجه يرى فرقاء متناحرين من مختلف الطّوائف، فبنظرة على الشّارع المسيحي نرى فيه صراعات مستمرّة منذ سبعينات القرن الماضي، وأنّ هذه الصراعات لم تتوقّف إلا بعدما فرض الرئيس الراحل بشير الجميّل ما أسمي حينها “توحيد البندقيّة المسيحيّة”، ثمّ أحرق الجنرال ميشال عون هذه المنطقة المسيحيّة طمعاً في الوصول إلى سُدّة الرّئاسة، ثمّ قبل ست سنوات أسقط جبران باسيل صهر العماد ميشال عون “اتّفاق معراب” الذي كان يُفترض أن ينهي ذيول الصّراع القوّاتي ـ العوني بعد أشهر قليلة من ولادته، إذ اقتضت مصلحته إسقاط هذا الاتّفاق والعودة بالحال إلى الوراء… أمّا في الشّارع السُنّي فالحال مُحبطٌ مؤسف إذ منذ سنوات خمس يستمر بهاء الحريري في محاولة الدّخول إلى هذه السّاحة، وقد فشل في تحقيق ذلك فشلاً ذريعاً بالرّغم من محاولاته المستميتة، وقد بلغت الأمور حدّاً غير مسبوق مع إعلان شقيقه الرئيس سعد الحريري تعليق حضوره السياسي وعدم خوضه الانتخابات النيابيّة، هذا بالإضافة إلى عدم وضوح الرؤية على هذه السّاحة بين الشخصيّات السُنيّة حتى السّاعة، وعلى السّاحة الدّرزية توضح الإشكالات التي سبق وحدثت أن مجرّد حادثة واحدة توتّر الأجواء في الجبل وأنّ عمليّة الوراثة التقدّميّة لا تزال ضعيفة في فرض وجود الوريث الجنبلاطي على الساحة، أمّا في الشّارع الشّيعي فبالرّغم من ظاهرة الثّنائي الشّيعي فإنّ أي “قلقلة” على ساحة ما قد توقع الوقائع بين أبناء الطّائفة الواحدة…

 

رغم كلّ هذا المظهر اللبناني الذي لا يحتاج لا إلى ضرب حصار على لبنان من الخارج، ولا إلى محاولات إيرانيّة متكرّرة للسّيطرة على هذا الوطن العجيب في فسيفسائه الطائفيّة، حتّى ومن دون جميلة الطوّائف تعيش مناطق أخرى صراع عائلات وتنافس حادّ في فرض السّيطرة من هنا أو هناك.. وبالرّغم من أنّ سوداويّة الصّورة اللبنانيّة الدّاخليّة التي تطلّ برأسها في كلّ مناسبة وتقوى قتامتها خصوصاً في التوقيت الانتخابي ثمّة واقع يفرض نفسه بوضوح هذه “الهلهلة” اللبنانيّة الدّاخليّة هي في أحيان كثيرة درع حماية لبنان من السّقوط في قبضة كلّ الذين حاولوا السّيطرة عليه وآخرهم دولة الفرس إيران!