يصعب وصف الاعتداءات الايرانيّة على المملكة العربيّة السعوديّة، انطلاقا من الأراضي اليمنيّة بسوى خطوة تصعيدية أخرى في سياق تحويل دول المنطقة الى رهائن لدى «الجمهوريّة الاسلاميّة». مطلوب في هذه المرحلة المعقّدة التي يمرّ فيها العالم، بتعقيدات ومخاطر لا سابق لها منذ نهاية الحرب العالميّة الثانيّة، اقتناع إدارة جو بايدن بأنّ عليها الاستسلام امام النظام في ايران. هذا النظام الذي احتجز 52 ديبلوماسيّا اميركيا 444 يوما في تشرين الثاني – نوفمبر من العام 1979، من دون عقاب، بات يستطيع اخذ دول عربيّة رهائن. تطورّت أساليب النظام مع مرور الزمن. انتقلت «الجمهوريّة الاسلاميّة» في ايران من سياسة احتجاز الأشخاص وجعلهم رهائن، وهي ما زالت معتمدة الى اليوم مع الاميركيين والأوروبيين خصوصا، الى سياسة احتجاز الدول وتحويلها رهائن. هل إدارة بايدن مستعدة للرضوخ لهذا الواقع؟
ثمّة ما يؤكّد هذه المخاوف في ظلّ الطريقة التي تعاطت بها إدارة بايدن مع الحوثيين، رافضة في كلّ وقت الاعتراف بما يمارسونه من ارهاب في حقّ اليمنيين انفسهم وفي حقّ دول الجوار التي لم تتردّد يوما في مساعدة اليمن. هذا لا يعني تجاهل أخطاء سياسيّة كثيرة ارتُكبت منذ العام 2011 تاريخ انقلاب الاخوان المسلمين على علي عبدالله صالح.
يؤكّد انتقال ايران من احتجاز الأشخاص الى احتجاز الدول، ما آل اليه وضع العراق الذي صار رهينة ايرانيّة بامتياز. لا مجال في العراق لانتخاب رئيس للجمهوريّة او لتشكيل حكومة جديدة، على الرغم من مضيّ ستة اشهر على اجراء الانتخابات النيابيّة، نظرا الى ان ايران غير راضية عن نتائج هذه الانتخابات. لم تحصل الأحزاب المواليّة لها على الاكثريّة. كانت النتيجة اختراع نظريّة الثلث المعطّل، تماما كما حصل في لبنان، من اجل اخذ العراق الى انسداد سياسي كامل على كلّ المستويات. بالثلث المعطّل، بات العراق كلّه في اسر ايران لا اكثر. بات ورقة من أوراق «الجمهوريّة الاسلاميّة» التي تفاوض «الشيطان الأكبر» مباشرة وغير مباشرة في فيينا وغير فيينا.
سينتظر العراق طويلا انتخاب رئيس للجمهوريّة خلفا لبرهم صالح، مثلما انتظر لبنان طويلا انتخاب خليفة لميشال سليمان. عطّل «حزب الله»، وهو لواء في «الحرس الثوري» الإيراني مجلس النوّاب اللبناني سنتين ونصف سنة كي يصبح مرشّح الحزب رئيسا للجمهوريّة اللبنانيّة في 31 تشرين الاّل – أكتوبر 2016. لم يدرك الذين تحمسّوا لميشال عون، بمن في ذلك السياسي الذي يعرفه عن ظهر قلب، أي سمير جعجع، مدى خطورة الرضوخ لـ»حزب الله» وايصال مرشحه الى قصر بعبدا.
ليس ما يدعو الى الحديث عن سوريا ودخول «الجمهوريّة الاسلاميّة» على خط إبقاء النظام السوري الذي ثار عليه شعبه باكثريته الساحقة منذ آذار – مارس 2011. استغلّ النظام الإيراني الثورة الشعبيّة في سوريا ليتغلغل اكثر في هذا البلد بوسائل شتّى بينها ارسال ميليشيات تابعة له اليها كي يبقى بشّار الأسد في دمشق. لم يعد سرّا ان ايران استطاعت تغيير طبيعة المناطق السورية وادخلت عليها تغييرات ذات طابع ديموغرافي. من الصعوبة بمكان امتلاك بشّار الأسد أي هامش حرّية عن ايران. الأكيد ان لديه هامشا للمناورة، لكنّ مثل هذا الهامش ليس كافيا كي لا تكون سوريا في عهده مجرّد ورقة إيرانية ورهينة لدى «الجمهوريّة الاسلاميّة»…
ليست الاعتداءات على السعوديّة، انطلاقا من اليمن، سوى دليل على مدى جهل الإدارة الاميركيّة بالحوثيين ودورهم وعمق الروابط بينهم وبين النظام الإيراني. لم يراهن الحوثيون في أي وقت على تسوية سياسية في اليمن. يرفضون مثل هذه التسويّة، حتّى لو كانت تعترف بانّهم جزء لا يتجزّأ من النسيج اليمني. في المقابل، إنّهم يؤمنون بخرافات زرعتها فيهم ايران التي تنظر الى اليمن بصفة كونه موطئ قدم لها في شبه الجزيرة العربيّة. هذا ما لم تستطع الإدارات الأميركية استيعابه ابدا. جاءت إدارة جو بايدن لتذهب الى ابعد من غيرها في مسايرة الحوثيين. عمليا، شجعت هؤلاء ومن خلفهم ايران، على تحويل اليمن قاعدة للصواريخ والمسيّرات الايرانيّة من دون حسيب او رقيب. هذا سبب اكثر من كاف كي تتّخذ الدول العربيّة في المنطقة موقفا حذرا من السياسة الاميركيّة.
ثمّة سوء فهم أميركي عميق لما دار وما زال يدور في اليمن. في أساس سوء الفهم هذا، الجهل بطبيعة الحركة الحوثيّة التي باتت تسمي نفسها «جماعة انصار الله» بما يؤكّد عمق العلاقة بينها وبين «الحرس الثوري» الإيراني الذي يمتلك وجودا طاغيا في صنعاء. قبل سنة تماما، اطلقت السعوديّة مبادرة سلميّة تجاه اليمن. سارعت ايران عبر سفيرها في صنعاء حسن ايرلو، وهو ضابط في «الحرس الثوري» (توفّى لاحقا اثار اصابته بكورونا) الى رفض المبادرة السعوديّة رفضا قاطعا. وضع ايرلو الحوثيين امام امر واقع هو الموقف الإيراني. أراد القول ان «الجمهوريّة الاسلاميّة» صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في مناطق سيطرة الحوثيين. ترفض إدارة بايدن اخذ العلم بمثل هذا التطوّر مثلما ترفض الاعتراف بانّ دول الخليج، في مقدّمها السعوديّة والامارات، مستهدفة من ايران انطلاقا من اليمن. هل هذا هو ترجمة لوقوف اميركا الى جانب حلفائها وقت الشدّة… ام دعوة اميركيّة الى ايران لابتزاز هؤلاء الحلفاء؟
يخشى ان تكون إدارة بايدن مستعدة للرضوخ لإيران في صفقة تتعلّق ببرنامجها النووي. معنى ذلك أنّ اميركا التي يعلن رئيسها انّه مستعد لمواجهة روسيا في حال اعتدت على أي دولة عضو في حلف الأطلسي (ناتو) غير معني بما تقوم به ايران في منطقة الخليج. على العكس من ذلك نراه يشجع على اخذ مزيد من الرهائن… إنّه يشجع عمليا سياسة بدأت في العام 1979 وهي مستمرّة إلى يومنا هذا. الأكيد ان ليس بمثل هذه السياسة ستستطيع اميركا يوما الحدّ من جنون فلاديمير بوتين الذي يريده بايدن خارج السلطة… او الوقوف في وجه التحدي الصيني!