ثمّة نتيجة واحدة أساسيّة وُلدت من رحم الانتخابات النيابيّة، وذلك على الرغم من القانون الأعوج الذي أُجريت على أساسه، وعلى الرغم من كلّ المحاولات المكشوفة لإعادة تعويم صهر رئيس الجمهورية جبران باسيل.
النتيجة أنّ الأكثرية اللبنانيّة ترفض سلاح «حزب الله» ونهجه وما يحاول فرضه على البلد، بدءاً بتغيير هويّته. لم تكن الانتخابات سوى تعبير عن رفض اللبنانيين لثقافة الموت التي يستحضرها الحزب عن طريق أمينه العامّ حسن نصرالله وقياديّيه ونوّابه وآخرين بشكل يوميّ. سيبذل الحزب ابتداءً من اليوم كلّ جهد متاح له لتأكيد أمرين. الأوّل أن لا طريق أمام اللبنانيين للإفلات من ثقافة الموت والهيمنة، والثاني أنّ عقاباً كبيراً سيطولهم لمجرّد تمرّدهم على «حزب الله» وعلى الاحتلال الإيراني.
قال اللبنانيون كلمتهم في استفتاء شعبي شارك فيه المسيحيون والسُنّة والدروز والشيعة، إلى حدّ كبير. واجه اللبنانيون الحزب وسلاحه بصدورهم العارية. لم يعُد في استطاعة هذا اللواء في «الحرس الثوري» الإيراني التوجّه إلى المجتمع الدولي بعد الآن والقول إنّه يمتلك أكثريّة في مجلس النواب اللبناني كما فعل الراحل قاسم سليماني (قائد فيلق القدس) مباشرة بعد انتخابات العام 2018.
ثمّة أمور أخرى كشفتها الانتخابات. من بين أهمّ هذه الأمور أنّ كلّ أدوات الحزب في الطوائف الأخرى صارت أدوات بالية ومنتهية الصلاحيّة. من جبران باسيل… إلى طلال أرسلان وأسعد حردان وغيرهم. تبيّن مرّة أخيرة، من دون أدنى شكّ، أنّ توابع «حزب الله» ليسوا أكثر من توابع ولا يمكن أن يكونوا غير ذلك. صحيح أنّ رئيس الجمهوريّة ميشال عون كان يمتلك قاعدة شعبيّة مسيحيّة في الماضي، خصوصاً لدى ذوي الثقافة السياسيّة المحدودة، لكنّ الصحيح أيضاً أنّ أكثريّة مسيحية تكوّنت في وجهه ووجه تيّاره الذي ليس سوى جزء لا يتجزّأ من معادلة «السلاح يحمي الفساد».
الغياب الشيعي عن التغيير
في طبيعة الحال، لن يتقبّل «حزب الله» هزيمته التي كان يمكن أن تكون لها أبعاد أكثر شمولاً على الصعيد اللبناني في ظلّ قانون انتخابي مختلف وفي غياب المناطق التي يحكمها بالحديد والنار. والكلام هنا عن مناطق جنوبيّة وأخرى بقاعيّة لم يكن فيها مكان لصوت شيعي مستقلّ يقول: لبنان أوّلاً. كلّ ما هو مطلوب من الشيعي اللبناني، من وجهة نظر الحزب، أن يكون «جنديّاً في جيش الوليّ الفقيه»، حسب تعبير حسن نصرالله.
سيعاقب «حزب الله» اللبنانيين. سيحلّ بهم عقاب إيراني من نوع العقاب الذي حلّ بالعراق حيث الحياة السياسيّة مجمّدة بسبب جرأة العراقيين على رفض إعطاء أكثريّة للأحزاب التابعة لـ»الجمهوريّة الإسلاميّة» في الانتخابات التي أُجريت في تشرين الأوّل الماضي.
باتت الحياة السياسيّة معلّقة في العراق حيث تعاقب إيران كلّ سياسي جرؤ على رفض الرضوخ للوليّ الفقيه ولـ»الحرس الثوري» من منطلق أنّ العراق هو العراق وأنّ إيران هي إيران.
ستعاقب إيران لبنان بتعطيل الحياة السياسيّة. سيكون المدخل إلى ذلك الصعوبات التي ستواجه إعادة انتخاب نبيه برّي رئيساً لمجلس النوّاب، وهي اعتراضات سيفشل الزعيم الدرزي وليد جنبلاط في إزالتها. سيغلق «حزب الله» مجلس النواب الجديد ويمنعه من ممارسة مهمّاته، تماماً كما سبق له أن أغلقه سنتين وخمسة أشهر كي يفرض ميشال عون وجبران باسيل رئيسين للجمهوريّة.
عودة إلى السلاح
الأكيد أنّ «حزب الله» يرفض منذ الآن سماع أيّ صوت يصدح في مجلس النواب ويقول إنّ أساس المأساة اللبنانيّة هو سلاحه الميليشيوي والمذهبي وغير الشرعي. لا مهمّة أخرى لهذا السلاح سوى الدفاع عن الفساد داخلياً، حيث ملفّ الكهرباء أهمّ دليل على ذلك، والمشاركة في حروب إيران على كلّ ما هو عربي في المنطقة، خارج حدود لبنان. ليست مشاركة الحزب في الحرب على الشعب السوري تحديداً، سوى دليل حيّ على ذلك.
لبنان بعد الانتخابات سيكون أسوأ من لبنان ما قبلها. الطريق إلى «جهنّم» وإلى الانهيار الكامل التي اختارها ميشال عون للبنان واللبنانيين ستكون طويلة، بل طويلة جدّاً، خصوصاً أنّ العالم منشغل حاليّاً كلّيّاً، بسبب أوكرانيا، عمّا يدور في الوطن الصغير.
المخيف في الأمر أنّ إيران ستفرض مزيداً من العزلة العربيّة على لبنان. ليس لديها ما تقدّمه للبنان واللبنانيين، تماماً مثلما ليس لديها ما تقدّمه لسوريا والسوريّين والعراق والعراقيّين واليمن واليمنيّين، غير البؤس والخراب وإثارة الغرائز المذهبيّة.
نعم، لا يبشّر المستقبل اللبناني بالخير. ستكون إيران مصرّة أكثر من أيّ وقت على معاقبة لبنان بعد تمرّد شعبه على الاحتلال وبعدما صارت أدوات الأدوات التي تستخدمها، بما في ذلك «التيّار العوني»، تحتاج إلى كلّ عمليات التزوير والضغط الممكنة كي تجد لها مكاناً في مجلس النوّاب… وكي تتمكّن من القول إنّها ما زالت حيّة تُرزق!
عن «أساس ميديا»