IMLebanon

إيران ستقاتل لإسقاط نتائج الانتخابات

ثمة مَن يتوقّع انحدار الوضع اللبناني إلى مرحلة أكثر سوءاً، لأنّ الانهيار سيكون أداة للضغط السياسي في الأشهر المقبلة.
قبل الانتخابات النيابية، كان يسود انطباع متشائم في العديد من الأوساط، عن الاستحقاق وما بعده، وأياً تكن النتائج التي سينتهي إليها:
1- إذا طارت الانتخابات فسيؤدي ذلك إلى المزيد من الانهيارات وانعدام الثقة الدولية بلبنان، إلى حدّ تصنيفه دولة فاشلة.

2- إذا جرت الانتخابات وانتهت بغالبية لـ«حزب الله» وحلفائه، أو جاءت نتائجها «متوازنة» أو «ملتبسة»، فإنّ هؤلاء سيحتفظون بالسلطة، ما يعني أنّ البلد سيواصل مسار الانهيار كما هو اليوم.

3- إذا انتهت الانتخابات لمصلحة قوى المعارضة و«التغييريين»، فإنّهم سيصطدمون بتعنُّتٍ شديد من جانب قوى السلطة، وسيتعرَّضون للتعطيل بكل الوسائل، على غرار ما يحصل في العراق. وهذا سيعني أيضاً استمرار الانهيار.

وفي الخلاصة، ما يُخرج لبنان من الكارثة هو فقط تدخُّل دولي، بتغطية عربية. وهذا الأمر ليس متوافراً اليوم بسبب الانشغال بأزمات وحروب، وأبرزها في أوكرانيا.

لقد انتهت الانتخابات إلى انتصار معيَّن لقوى المعارضة. لكن الانتصار لم يكن حاسماً إلى حدّ القدرة على انتزاع السلطة من «الحزب» وحلفائه. ويحتاج كل من المحورين السياسيين المتنازعين، إلى ترجيح الكفَّة لمصلحته، باجتذاب القوى السياسية المصنَّفة «تغييرية» و«مستقلّة»، والتي دخلت حديثاً إلى المجلس.

ثمة مَن يقول: هذه النظرة استسلامية ومتشائمة. فقوى المعارضة والتغيير تستطيع تثمير انتصارها الانتخابي، باستعادة ثقة العرب والمجتمع الدولي في البلد ومنظومة الحكم التي تديره. ويتفاءل هؤلاء بأنّ بلوغ التغيير بات وشيكاً، وسيكتمل بحكومة جديدة ورئيس جديد للجمهورية.

بين النظرتين المتفائلة والمتشائمة، يقف لبنان عند مفترق: هل الفرصة متاحة لوقف التدهور وبدء المسار العكسي للإنقاذ، أم سينزلق البلد في انهيارات جديدة بدأت تطلُّ ملامحها منذ لحظة انتهاء الانتخابات، وتتمثَّل بانفجار الدولار ومعه البنزين والخبز وسائر السلع الحيوية وأسعار الاتصالات والرسوم والخدمات؟

المتابعون يخشون تثمير الموجة الجديدة من الانهيارات المالية والنقدية والاقتصادية والمعيشية، وما سيرافقها من شلل مؤسساتي وضغوط سياسية وربما أمنية، في سياق خطة سيجري تنفيذها في الأشهر المتبقية من العام 2022، وستظلل الاستحقاقات الدستورية وعمل المؤسسات، من المجلس النيابي إلى الحكومة فرئاسة الجمهورية، لتعطيل أي تغيير في معادلات السلطة القائمة.

وفي تقدير البعض، أنّ إيران ستلجأ في لبنان إلى تكرار السيناريو الذي اعتمدته في العراق، حيث حاز خصومها على الغالبية في الانتخابات التشريعية التي جرت في الخريف، فردَّت بشلِّ الحياة السياسية والمؤسسات بالكامل.

سيحاول حلفاء إيران في لبنان أن يمنعوا أي محاولة لإضعاف نفوذهم. وفي الدرجة الأولى، سيعملون على استيعاب القوى النيابية الجديدة وتذويبها، أي دفعها إلى الحياد على الأقل، فيسقط من أيدي خصومهم لواء الغالبية النيابية. وسيستخدمون كل ما يملكون من أوراق لإظهار أنّ اهتزاز «الستاتيكو» الحالي في لبنان يعني الذهاب إلى الفوضى والمجهول.

وفيما مفاوضاتهم مع الأميركيين مجمَّدة، ويخوضون معارك شرسة تمثلت فصولها الأخيرة باغتيال القيادي الرفيع في «الحرس الثوري» خدائي، سيتمسكون بما لهم من نفوذ في لبنان، وسيستخدمون ما يملكون من أوراق لهذه الغاية، وهي كثيرة. ومن سوء أقدار لبنان أن يتمّ استفراده وسط انشغال العرب والقوى الدولية بقضايا مختلفة.

يجدر هنا التأمل في الإشارة التي توقَّف عندها العديد من المراقبين، وهي الخسارة الجماعية والمدوّية وغير المسبوقة وغير المبرَّرة لرموز دمشق في الانتخابات، بحيث لم يبقَ منهم في المجلس إلّا عدد قليل جداً، وما رافقها من اتهامات وجهّها بعضهم إلى «الثنائي الشيعي» بتعمُّد إسقاطهم.

ليس واضحاً ما جرى حتى الآن. فهل الأمر يتعلق بدور ما لدمشق، بعد الانتخابات، وقد جرت محاولات لإحباطه؟ واستطراداً، هل إنّ طهران غير راضية عن هذا الدور، فيما باتت تشجعه قوى دولية وعربية، بعد زيارة الرئيس بشّار الأسد لدولة الإمارات العربية المتحدة وما سبقها وأعقبها من اتصالات سورية- خليجية؟

إذا كان هذه التحليل صائباً، فمعنى ذلك أنّ إيران استشفت خطر الانتخابات قبل حصولها، وتصدَّت استباقياً لأي محاولة إضعاف لدورها، حتى لمصلحة الحليف السوري.

ويعني ذلك أيضاً أنّ طهران ستمضي في إقامة المتاريس والدفاع عن مواقعها في لبنان، بأي ثمن وبما تملك من أوراق. وهذا ما سيؤشِّر إلى صيف وخريف ملتهبين.