IMLebanon

لعبة الإستهانة بلبنان

 

لبنان محكوم بالتكرار والدوران في دوامة لا تنتهي. حتى التاريخ الذي لا يتكرر فإنه يتكرر فيه ويدور عليه، لا على طريقه ماركس: مأساة ثم ملهاة، بل على طريقه الإغريق: مأساة ثم تراجيديا قدرية. والأخطر هو تكرار الحرص على عدم التعلم من دروس التاريخ بادعاء القدرة على صنعه وتغيير ما لا يعجبنا فيه وبناء مستقبل من ماضٍ مختلف.

 

والدروس لا تزال طازجة. من تجربة المنظمات الفلسطينية في الأردن قبل لبنان الى تجربة إسرائيل القصيرة وتجربة سوريا الطويلة على الطريق الى تجربة ايران. ومن «اتفاق القاهرة» الى «اتفاق الخط الأحمر» ثم «اتفاق 17 أيار» ومعاهدة «الأخوة والتعاون». حين رتبت واشنطن بعد قرارات قمتي الرياض والقاهرة عام 1976 اتفاق الخط الأحمر بالتفاهم مع كل من سوريا واسرائيل حول الدخول العسكري السوري الى لبنان، قال الأميركيون للسوريين: «لا تضغطوا على لبنان كثيراً، ولا تبقوا فيه طويلاً». وما حدث هو أن النظام السوري فعل العكس بما أكد أن قراره الحقيقي غير المعلن هو أنه لم يدخل الى لبنان لكي يخرج منه.

 

لكن اللعبة في حرب لبنان كانت أكبر من حسابات المنظمات الفلسطينية وسوريا وإسرائيل، وبالطبع من حسابات الأطراف اللبنانية التي تصور كل طرف منها أنه يلعب الدور الذي لا بد منه. حسابات القوى الفلسطينية التي أرادت البقاء في لبنان واستخدمت طموح قوى لبنانية لتغيير النظام بالاعتماد على الرافعة الفلسطينية، اصطدمت بحسابات سوريا واسرائيل ثم أميركا بعد كيسنجر، فجرى إخراجها بالقوة على مرحلتين. وهناك منظمات تعمل لتكرار التجربة في الوطن الصغير تحت عنوان «محور المقاومة». حسابات إسرائيل في إقامة «مثلث إسرائيلي- مصري- لبناني» اصطدمت بحسابات سوريا وروسيا وأطراف لبنانية و»مشروع ريفان» للتسوية في الضفة الغربية وغزة، فسقط اتفاق 17 أيار وانسحبت إسرائيل تحت ضربات المقاومة الوطنية ثم المقاومة الإسلامية.

 

حسابات النظام السوري تعززت بعد «اتفاق الطائف» ومشاركة دمشق الى جانب أميركا في «عاصفة الصحراء» التي أخرجت الجيش العراقي أيام صدام حسين من الكويت، بحيث جرى التسليم العربي والدولي لها بإدارة الوضع اللبناني. لكن إغراء البقاء في لبنان وحكمه قاد سوريا الى الإستهانة باللبنانيين واصدقاء لبنان في العالم والتغلغل في كل مفاصل البلد، فجرى إخراجها عام 2005 بقرار دولي رعته اميركا وفرنسا وبقوة «ثورة الأرز» بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

 

اليوم تجرب ايران حظها. وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان زار بيروت بعد الاتفاق السعودي -الإيراني، وذهب الى مارون الراس في الجنوب ليضع إكليلاً من الزهور على تمثال الجنرال قاسم سليماني ويقول: نحن هنا. كذلك فعل الرئيس ابراهيم رئيسي في زيارة سوريا والقول: نحن هنا. هناك بالطبع عامل لمصلحة طهران لم يكن لدى سوريا وإسرائيل والمنظمات الفلسطينية مثله، وهو وجود حزب قوي مسلح مرتبط بها عمل على «عسكرة» طائفة ضمن طموح التغيير في لبنان بما يلائم المشروع الإقليمي الإيراني. لكن من الصعب ان يحول ذلك دون تحولات ودفع كلفة المكابرة والمغامرة في تحدي حقائق الأمور وقوة الأشياء وطبيعة لبنان. ولا مرة كان الوقت حليف الطرف الذي يستهين بدروس التاريخ.

 

في كتاب» قبر لينين» يقول ديفيد ريميك: «حين يتوقف التاريخ عن أن يكون في خدمة الحزب يصبح الحزب محكوماً بالفشل».