Site icon IMLebanon

13 شهراً… إيران تربح الجولة الأولى

 

بعد معاينة دقيقة لأحداث ما قبل السابع من أكتوبر وبعده، بات من الواضح أنّ إيران خرجت محققة إنجازات استراتيجية في جدول النقاط والأهداف، حيث لا وجود لمصطلح نصر أو هزيمة، فهذه العبارات تبقى ذات وظيفة محدّدة وهي إعطاء المعنويات لزيادة منسوب الحماسة والاندفاع لدى الجمهور الواسع. أمّا الميزان الحقيقي فيكمن في جدول آخر تحكمه الحسابات والمصالح المرتبطة بالموارد والنفوذ. وبالعودة إلى جردة الحساب، نسجّل نقاطاً ثلاث رجّحت الكفة لمصلحة
إيران حتى إشعار آخر:

ـ النقطة الأولى: هي أنّ إيران خاضت حروباً خارج أرضها، وإسرائيل خاضتها ضمن جغرافيّتها التوراتية. انهالت الصواريخ والمسيّرات لتهجّر مئات آلاف المستوطنين في الشمال والغلاف، 86% منهم بحسب آخر استطلاع للرأي العام لا يرَون عودتهم متاحة في المستقبل القريب.

 

إنّها الوصية الثانية في عقيدة بن غوريون الأمنية تسقط في مغامرات اليمين غير المحسوبة. أوصى بن غوريون بحروب خاطفة وسريعة خارج أرض إسرائيل، وهي فلسفة مدروسة، فحروب الداخل تُسقِط مبدأ الهجرة المعاكسة، وتؤدّي إلى تفاقم الهجرة إلى خارج الأراضي المقدسة.

 

وسقطت الوصية الثانية بشقيها الجغرافي والزمني، فبن غوريون أراد حروباً خاطفة وسريعة خارج الحدود، للحسم السريع تفادياً لقتل عدد كبير من المسلمين العرب، وهي نتيجة قد تسيء إلى مشروع اندماج إسرائيل بمحيطها الطبيعي.

 

ويُشيد بعض المحللين بجرأة نتنياهو على كسر عقيدة المؤسس، ويربطون ذلك بتغيير في الذهنية الإسرائيلية وقدرتهم على تحمّل الضغوط. لكنّ العبرة في النتائج والترتيبات في المستقبل على أمن إسرائيل وصورتها في العالم العربي والغربي.

 

 

– النقطة الثانية: إنّ اتفاقيات أبراهام والتطبيع وخط الهند المؤسس للشرق الأوسط الجديد، بحسب تعبير نتنياهو في الأمم المتحدة، ليست نظريات عابرة وتفاهمات روتينية بين دول المنطقة. إنّها عملية معقّدة ومدروسة هندست لإنهاء النفوذ الإيراني في دول المحور، فالتطبيع كان سيخلق دينامية سياسية في كل من لبنان وسوريا والعراق، حيث أنهكت العقوبات والتعثر الاقتصادي قدرة شعوب هذه الدول على الاستمرار. دينامية تحاكي تحالفاً سنّياً مع الأقليات المسيحية والدرزية والكردية والعلوية، تؤدّي إلى انقلاب في المنظومات الحاكمة من خلال برلمانات بيروت ودمشق وبغداد أو شوارعها.

 

راقبت إيران هذا التسلّل بحذر إلى أن انقلب المشهد رأساً على عقب في 7 أكتوبر. وأول من تلقّف الموضوع كان أنطوني بلينكن عندما صرّح، بعد أيام قليلة، إنّ مهندسي العملية أرادوا إنهاء التطبيع. كان على صواب، فبحسب «الفورين أفيرز» 96% من السعوديّين باتوا معارضين للتطبيع بحسب استطلاع أُجري في كانون الأول 2023، «الإخوان المسلمون» فازوا بالمقاعد المخصّصة للأحزاب في الأردن، وفي لبنان التحام سنّي ـ شيعي غير مسبوق.

 

إنّها إيران تحوّل المسارات المهدِّدة لأمنها القومي، وتُمسك بورقة الإسلام السياسي، ما يشي بتمكّنها في المستقبل القريب من اختراق المنظومات العربية على وقع نتائج الحرب في غزة، في مواجهة إسرائيل المنتقلة من نموذج الأمن والتنمية، إلى نموذج القبة الفولاذية الهشة، وصور القتل والتدمير تحت أعيُن الفضائيات على رأسها «الجزيرة» التي نجحت في قلب المزاج العربي من خلال مشاهد المجازر والدمار المتكرّرة على مدار الساعة.

 

– النقطة الثالثة: أكّدت مجريات الحرب المندلعة أنّ لا حل مستداماً من دون التفاهم مع إيران، إذ لم يتمكن اليمين الإسرائيلي من إقناع الأميركيِّين بأنّ الاتفاق مع إيران هو لزوم ما لا يلزم.

 

13 شهراً و»حزب الله» لا يزال يطلق يومياً أكثر من 100 صاروخ على العمق الإسرائيلي، الأسرى ما زالوا عالقين في أنفاق غزة، والمؤسسة العسكرية في إسرائيل والدولة العميقة في الولايات المتحدة تدركان جيداً أنّ الوقت قد يكون لمصلحة نتنياهو، لكنّه بالتأكيد ليس لمصلحة إسرائيل والولايات المتحدة. أمّا إيران فلا تسقط إلّا في الضربة القاضية وليس بالضربات المتتالية، ويبقى السؤال الكبير حول ضعف الردَّين الإسرائيليَّين: هل هي حسابات تتعلّق بالميدان؟ أم أنّ إيران أصبحت دولة نووية غير معلنة؟

 

بعد الانتخابات الأميركية سيجلس الأميركيّون، وكالةً عن إسرائيل، مع إيران، وهنا تبدأ جردة حساب الميدان. يقع المحلّلون في خطأ شائع عندما يصفون المفاوضات وكأنّها جلسة محاكمة لإيران، إذ عليها التخلّي عن كل شيء مقابل رفع العقوبات وتسهيل تصدير منتجاتها.

 

ويقع اللبنانيون في خطأ آخر ظانّين أنّ الأميركيِّين يفاوضون نيابة عنهم لتقليص نفوذ «حزب الله» وتقوية فريق المعارضة. والحقيقة هي أنّ الأوراق التي امتلكتها إيران أخيراً والمتعلقة بأمن الغلاف وشمال إسرائيل، معطوفة على عملية تخصيب الأورانيوم والممرّات المائية التي يُسيطر عليها الحوثيّون والإسلام السياسي وحركات المقاومة في العراق وسوريا، تجعل منها شريكاً استراتيجياً في لعبة تقاسم النفوذ في الشرق الأوسط، وخصوصاً في لبنان.