IMLebanon

ايران ونهاية زمن التذاكي على اميركا  

 

ليس في استطاعة النظام الايراني تغيير جلده. يعود ذلك الى انّ هذا النظام قام أصلا على فكرة «تصدير الثورة» وعلى رفض الاعتراف بالشعب الايراني وطموحاته. تؤكّد ذلك الكوارث التي حلّت بالمنطقة كلّها وبايران نفسها. في مقدّم هذه الكوارث تأتي الحرب العراقية – الايرانية.

 

اندلعت تلك الحرب في أيلول – سبتمبر 1980 وانتهت صيف العام 1988  بإعلان آية الله الخميني «المرشد» وقتذاك تجرّع كأس السمّ.

 

كان هناك دائما خلاف على التاريخ الحقيقي لاندلاع تلك الحرب. يعتبر العراق، حيث كان صدّام حسين رئيسا للجمهورية انّها اندلعت في الرابع من أيلول – سبتمبر، عندما راحت «الجمهورية الإسلامية» المعلنة حديثا تتحرّش بالعراق عسكريا على طول الحدود بينهما. في المقابل تعتبر ايران انّ البداية كانت بالهجوم الواسع الذي باشره الجيش العراقي في الثاني والعشرين من ذلك الشهر، وهو هجوم ظنّ صدّام حسين بخبرته السياسية المحدودة بما يدور خارج حدود العراق، انّه سيؤدي الى هزيمة عسكرية سريعة لإيران وسقوط النظام الجديد.

 

ما حدث عمليا انّ «الجمهورية الإسلامية» كانت المستفيد الاوّل من تلك الحرب نظرا الى ان الخميني الذي كان قام بانقلابه على الليبيراليين والمعتدلين من الذين شاركوا في الثورة على الشاه وتخلّص منهم الواحد تلو الآخر، استغلّ الهجوم العراقي الى ابعد حدود. لا حاجة الى استعادة لتفاصيل الاحداث التي شهدتها ايران منذ عودة الخميني ورحيل الشاه، بما في ذلك التخلّص من حكومة مهدي بازركان بموازاة احتلال السفارة الاميركية في طهران واحتجاز ديبلوماسييها طوال 444 يوما ابتداء من تشرين الثاني – نوفمبر 1979.

 

لا يستطيع النظام الايراني الّا ان يكون متشددا. لا لشيء سوى لانهّ ليس لديه ايّ خيار آخر، أي خيار ان تكون ايران دولة طبيعية. لو كانت دولة طبيعية، لكانت عثرت على صيغة تعايش مع العراق بدل متابعة زرع الخراب والدمار طوال تلك السنوات الثماني للحرب من اجل احياء الروح الوطنية الفارسية والتخلّص من الجيش النظامي، جيش الشاه، عن طريق ارساله الى جبهات الحرب.

 

منذ انتهاء الحرب العراقية – الايرانية، وهي حرب انتهت بشبه انتصار عراقي، لم يتغيّر شيء في «الجمهورية الإسلامية» التي اعتقدت انّ في استطاعتها دائما التذاكي على الادارات الاميركية المتلاحقة. اكثر من ذلك، لا يمكن لإيران التراجع عن كلّ ما حقّقته من انتصارات منذ العام 2003 تاريخ الاجتياح الاميركي للعراق واسقاط نظام صدّام حسين. كان العراق الجائزة الكبرى بالنسبة الى ايران. حققت ايران حلما تاريخيا بالانتقام من العراق، خصوصا بعد انتقال قادة ميليشيات مذهبية عراقية حاربت الى جانب «الحرس الثوري» الى بغداد على ظهر دبابة أميركية.

 

في ظلّ هذه المعطيات، يستحيل على إدارة دونالد ترامب التعاطي مع ايران كما لو انّها تتعاطى مع دولة طبيعية يمكن الاخذ والرد معها. تعود المشكلة في ايران، في هذه الايّام بالذات، الى انّ ليس هناك في طهران من يريد الاعتراف بانّ زمن التذاكي على الاميركيين انتهى. ما خسرته ايران من خلال تصفية الاميركيين لقاسم سليماني هو خسارة لجوهرة التاج في الإمبراطورية التي حلم «الحرس الثوري» باقامتها في المنطقة. هذا الحلم تجدّد في العام 2003 اثر تسليم جورج بوش الابن العراق على صحن من فضّة الى ايران.

 

ليس اصعب من ان تتصالح ايران مع الواقع، بما في ذلك مع ان العراق الذي تريد تحويله الى محميّة إيرانية، من منطلق مذهبي قبل ايّ شيء آخر. ليس العراق بلدا سهل المراس، كما انّ لدى العراقيين من الشيعة العرب ما يكفي من الشعور الوطني كي ينتفضوا في وجه الاستعمار الايراني بكل اشكاله وكلّ ادواته.

 

ليس العراق وحده الذي يعصى على ايران. هناك استثمار كبير في سوريا لا يبدو انّ ثمّة فائدة منه في المدى الطويل. هذا الاستثمار حمل ايران على صرف مليارات الدولارات من اجل بقاء بشّار الأسد في دمشق. ليس سرّا ان رئيس النظام السوري وضع نفسه منذ خلف والده في الجعبة الايرانية من منطلق الاعجاب الشديد بشخص الأمين العام لـ»حزب الله» حسن نصرالله والشعارات التي يطلقها. في نهاية المطاف، ما نتيجة الاستثمار الايراني في سوريا الذي شمل ارسال مقاتلين من «حزب الله» للدفاع عن نظام بشّار الأسد وتغيير التركيبة الديموغرافية في مناطق معيّنة، على رأسها دمشق ومحيطها وكلّ الشريط الحدودي اللبناني – السوري، فضلا عن الذهاب الى حلب وجوارها؟ الجواب ان فلاديمير بوتين، جاء الى دمشق في لحظة معيّنة ليقول بكلّ صراحة ان سوريا باتت في عهدة روسيا ولا احد غيرها وانّ كل الضمانات المطلوبة إسرائيليا هي في عهدة موسكو ولا احد غيرها.

 

استثمرت ايران في الخراب. على الرغم من ذلك، يظلّ نظامها غير قابل للتغيير، خصوصا انهّا تعتقد ان لدى «الجمهورية الإسلامية» ما تقدّمه لجيرانها وما هو ابعد من جيرانها، أي الى اليمن على سبيل المثال وليس الحصر.

 

جاء وقت مواجهة الحقيقة. هناك ما هو ابعد من تصفية قاسم سليماني. هناك عودة لإيران الى اخذ حجمها الطبيعي والتخلّي عن وهم القوة العظمى في المنطقة. لا يبدو ان ذلك مقبول في طهران ذات الشهيّة المفتوحة على مزيد من النشر للبؤس في غير بلد عربي.

 

نعم، لا يمكن لإيران ان تتغيّر لانّ أي تغيير يعني اعترافا بالفشل من جهة واعترافا بالشعب الايراني وطموحاته من جهة أخرى. إنّ آخر ما يهمّ الشعب الايراني هو الانتقام لقاسم سليماني الذي تبيّن ان كلّ  استثماراته خارج الحدود الايرانية كانت من النوع الذي لا فائدة تذكر منه. حسنا، خاضت ايران الحرب على الشعب السوري الى جانب بشّار الأسد، أي مستقبل لبشّار بعد كلّ الذي حلّ بسوريا. بل أي مستقبل لسوريا؟

 

لنضع العراق جانبا، ما الفائدة من استثمار مليارات الدولارات في «حزب الله» غير إيصال لبنان الى حال الانهيار التي وصل اليها، في حين انّه كان يستطيع الاستفادة من موقعه الجغرافي ومن احتضان العرب له بدل ان يكون بلدا معزولا يبحث عن أصدقاء كما الحال الآن.

 

لا شيء ينجح مثل النجاح. هذا ما لم تستطع «الجمهورية الإسلامية» استيعابه. لم تستوعب خصوصا ان نشر الخراب والبؤس لا يمكن ان يكون سياسة وان انشاء ميليشيات مذهبية في هذا البلد او ذاك لا يمكن الّا ان يرتدّ على صاحب فكرة هذه الميليشيات. ليس ما ينفع ايران «الجمهورية الإسلامية» في شيء قبل التصالح مع شعبها اوّلا.