Site icon IMLebanon

أوراق إيران التي ذبلت

 

 

خصص الرئيس دونالد ترامب جزءا صغيرا من خطابه عن حال الاتحاد لإيران. مثلما عمل رونالد ريغان ابتداء من العام 1981 على تفكيك الاتحاد السوفياتي، يبدو ان ترامب في طريقه الى إعادة ايران الى حجمها الطبيعي. سيسمح له ذلك بترك بصماته على تاريخ الشرق الاوسط وخريطته الجغرافية… هذا اذا استطاع وضع ايران في مكانها الصحيح بعد سنوات طويلة نجحت خلالها في تغيير طبيعة المجتمعات في دول عدّة قريبة منها وبعيدة عنها.

 

أورد ترامب، في الخطاب السنوي الذي يلقيه كلّ رئيس أميركي امام الكونغرس، توصيفا واقعيا لحال الاقتصادي الايراني ومدى تدهوره في ضوء العقوبات الاميركية.  تطرّق ايضا الى تصفية الولايات المتحدة لقاسم سليماني قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الايراني مطلع هذه السنة. كان قاسم سليماني المشرف الفعلي على النشاط الايراني في العراق وسوريا ولبنان وفي الأراضي الفلسطينية، خصوصا قطاع غزّة وحتّى في اليمن وافغانستان. كان نشاطه يعتمد على تجنيد الميليشيات المذهبية في كلّ بلد من هذه البلدان في خدمة المشروع التوسّعي الايراني.

 

تريد ايران ان يكون كلّ بلد من هذه البلدان او الاراضي، وهي بلدان واراض عربية باستثناء أفغانستان، جرما يدور في فلكها وورقة من اوراقها. هدفها تكريس دورها الإقليمي، بغض النظر عن البؤس الذي يعاني منه القسم الأكبر من الايرانيين داخل «الجمهورية الإسلامية» التي اسّسها آية الله الخميني قبل واحد وأربعين عاما.

 

يمكن اعتبار التدهور الذي يعاني منه الاقتصاد في «الجمهورية الإسلامية» تطورا طبيعيا نتيجة المكابرة التي تتميّز بها تصرفات كبار المسؤولين الايرانيين الذي يرفضون الاعتراف بانّ ليست لديهم حلول من أي نوع للداخل الايراني، خصوصا انّ البلد بقي أسير ما يصدّره من النفط والغاز. امّا على الصعيد الخارجي، ليس هناك نموذج إيراني ناجح يمكن تقديمه في أي مجال سياسي او اقتصادي او حضاري.

 

من الواضح ان ايران ترفض التعاطي مع المعطيات الإقليمية والدولية الجديدة التي نشأت مع وصول دونالد ترامب الى البيت الابيض. لهذا السبب نرى رئيس الجمهورية حسن روحاني يتحدّث عن إعادة العمل في الاتفاق النووي مع مجموعة الخمسة زائدا واحدا الذي مزّقه الرئيس الاميركي. لا يدري روحاني، او ربّما يدري جيّدا، ان ورقة الاتفاق النووي لم تعد صالحة لابتزاز أي كان وان الرهان على أوروبا ليس رهانا في محلّه. اكثر من ذلك، لم تستطع ايران التخلّص من عقدة تتحكّم بكلّ تصرفاتها هي عقدة رفض الاعتراف بالفشل مع ما يعنيه ذلك من امتلاك شجاعة القيام بعملية نقد للذات.

 

في العام 1986، مرّ حدثان كشفا الاتحاد السوفياتي الذي كان رونالد ريغان ادخله قبل ذلك في سباق تسلّح غير قادر على السير فيه. كان ذلك عندما تحدّث الرئيس الاميركي عن «حرب النجوم»، أي عن منظومة صاروخية موجودة في الفضاء قادرة على تعطيل أي صواريخ يمكن ان تنطلق من الاتحاد السوفياتي. تبيّن مع الوقت ان ما اعلن عنه ريغان كان اقرب الى الخيال من الواقع، لكنّ «حرب النجوم» أظهرت عدم امتلاك الاتحاد السوفياتي القدرة على منافسة الولايات المتحدة في حرب تسلّح من هذا النوع. تبيّن بكل بساطة انّ الاقتصاد السوفياتي من الهشاشة الى درجة تجعله شبيها بجسم عملاق تحمله ساقان لا تقويان على التحرّك من دون عكازين!

 

حصلت على الأرض ترجمة للحال الاقتصادية للاتحاد السوفياتي. كان الحدث الاوّل في الثالث عشر من كانون الثاني – يناير 1986 عندما انفجر الوضع في اليمن الجنوبي الذي كان يسمّى «جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية». كانت هذه الجمهورية مستقلّة وبقيت كذلك حتّى العام 1990 تاريخ تحقيق الوحدة اليمنية. كذلك، كانت مجرّد جرم يدور في الفلك السوفياتي وموطئ قدم له في شبه الجزيرة العربية. جاء انفجار الداخلي في اليمن الجنوبي، على شكل حرب اهليّة، بين انصار الرئيس (وقتذاك) علي ناصر محمّد وخصومه ليظهر ان السيطرة السوفياتية على البلد انتهت فعليا. تبيّن، بكلّ بساطة، ان القوة العظمى الأخرى في العالم ليست سوى نمر من ورق. لعلّ ابرز دليل على ذلك الاستعانة بيخت ملكة بريطانيا لاجلاء الرعايا السوفيات من «جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية»…

 

امّا الحدث الثاني، فكان الحادث الذي تعرّض له مفاعل تشيرنوبيل النووي في أوكرانيا يوم 26  نيسان – ابريل 1986. كانت أوكرانيا في تلك الايّام جمهورية سوفياتية وجاء حادث تشيرنويبل ليؤكّد بما لا يقبل ادنى شكّ انّ الاتحاد السوفياتي دولة من العالم الثالث تمتلك مفاعلات نووية لكنّها غير قادرة على المحافظة على سلامتها.

 

في ظلّ الكارثة التي يمرّ فيها الاقتصاد الايراني، جاء اغتيال قاسم سليماني الذي يعتبر رمزا للمشروع التوسّعي الايراني. لم يعد لدى ايران ما تردّ به على تصفية من تعتبره المسؤول الاوّل عن مشروعها الإقليمي. كان قصف قاعدة عين الأسد الاميركية في العراق اقرب الى تمثيلية هزلية اكثر من أي شيء آخر. وجاء اسقاط طائرة الركاب الأوكرانية عن طريق الخطأ ليكشف ان ايران دولة من دول العالم الثالث في احسن الأحوال.

 

مثلما لم يستطع الاتحاد السوفياتي تطوير نفسه والتكيف مع المعطيات الجديدة التي رافقت وصوا دونالد ريغان الى البيت الأبيض خلفا لرئيس عاجز اسمه جيمي كارتر، لم تستطع ايران التكيّف مع عهد دونالد ترامب. الأكيد ان المكابرة لا تنفع في شيء. كذلك لن ينفع الرهان على انّ الرئيس الاميركي لن يكون رئيسا لاربع سنوات أخرى بعد انتخابات تشرين الثاني – نوفمبر المقبل. لم يفشل الحزب الديموقراطي في محاكمة ترامب امام الكونغرس بسبب ما وُصف بانه ضغوط مارسها على الرئيس الاوكراني فحسب، بل ان جولة الانتخابات الاولى في ولاية ايوا أظهرت ان الحزب الديموقراطي يعاني من فوضى داخلية. ما صار واضحا بعد جولة الانتخابات في ايوا، الهادفة الى اختيار مرشّح للحزب الديموقراطي يواجه ترامب بعد نحو تسعة اشهر، ان لا مرشّح جدّيا قادرا على هزيمة ترامب في تشرين الثاني – نوفمبر المقبل.

 

لا يعمل الوقت لمصلحة «الجمهورية الإسلامية» مثلما لم يلعب لمصلحة الاتحاد السوفياتي. هل هناك في طهران من يريد ان يعي انّ باراك أوباما رئيس سابق وانّ ليس من هو مستعد للتفاوض معها بشروطها، خصوصا ان الاوراق التي تمتلكها ليست أوراقا. ذبلت كلّ الاوراق الايرانية اكان في لبنان، الذي دخل مرحلة الانهيار الكامل في غياب من يسأل عنه عربيا او اميركيا… او في العراق حيث ثورة حقيقية على كلّ من له علاقة من قريب او بعيد بالمستعمر الإيراني