كلّ شيء يتغيّر في الشرق الاوسط وفي اطار أوسع منه. لذلك لا يمكن لإيران سوى ان تتغيّر، لا لشيء سوى لأنّها بدأت تشعر بالحاجة الى إعادة تموضع في ضوء المستجدات التي تشهدها المنطقة والعالم. من بين هذه المستجدات اكتشاف القيادة في ايران للنظام الدولي الذي اعتقدت انّ في استطاعتها ابتزازه الى ما لا نهاية. العالم في نهاية المطاف، ليس الاتفاق في شأن ملفّها النووي. العالم، بما في ذلك النظام المصرفي الدولي الذي شاءت طهران اخضاعه لمشيئتها او تجاوزه، شيء آخر. انّها لا تدرك حتّى كيف يعمل هذا النظام ومن يتحكّم به. لا تدرك ان هبوط أسعار النفط بشكل تدريجي منذ خريف العام 2014، اهمّ بكثير من الاتفاق في شأن الملفّ النووي… وانّ عليها التكيّف مع هذا الواقع الجديد ومع انّ الاتفاق في شأن الملفّ النووي لن يحلّ لها أيًّا من مشاكلها.
اكثر من ذلك، لم تفهم ايران ان العالم ليس إدارة باراك أوباما التي تختزل كلّ مشاكل الشرق الاوسط بالملفّ النووي الايراني وتعتبر انّ التطبيع بين واشنطن دي. سي. وطهران هدف بحدّ ذاته.
حسناً، حصل اتفاق في شأن الملف النووي الايراني وأعلنت ايران انتصارها على «الشيطان الاكبر». انضمّ اليها في رفع شارة النصر «حزب الله». ماذا كانت النتيجة؟ ما الذي تغيّر على الأرض؟
بعد أيام قليلة تمرّ سنة كاملة على توقيع الاتفاق في شأن الملف النووي بين ايران ومجموعة البلدان خمسة زائدا واحدا. لم يطرأ أي تحسّن على الوضع الاقتصادي الايراني على الرغم من كلّ المحاولات التي بذلتها إدارة أوباما لمساعدة طهران. كان الملفّ النووي الايراني نكتة اكثر من ايّ شيء آخر. استغلته إسرائيل للحصول على مكاسب من الولايات المتحدة. حصلت بالفعل على هذه المكاسب، بل حصلت على اكثر مما طلبته من إدارة اوباما.
في ذكرى مرور سنة على توقيع الاتفاق في شأن الملف النووي الايراني، ثمّة أمور ملفتة. من بين هذه الامور ان الازمة الاقتصادية التي تمرّ بها ايران زادت حدّة. توافق ذلك مع فشل إيراني في كلّ بلد استهدفه المشروع التوسّعي لـ»الجمهورية الإسلامية». اذا كانت السيطرة على العراق إنجازاً، فنعم الإنجاز. هناك ميليشيات لأحزاب مذهبية عراقية تابعة لإيران تتحكّم بالعراق تحت تسمية «الحشد الشعبي». كلّ ما تستطيع هذه الأحزاب عمله هو قتل السنّة وتهجيرهم من بيوتهم وقراهم وبلداتهم ومدنهم وزيادة الشرخ المذهبي عمقاً في البلد وتوفير حاضنة لـ»داعش» والتنظيمات الإرهابية التي على شكل «داعش». ما مستقبل العراق في ضوء هذه المعطيات وفي ضوء ما شهدته الفلوجة أخيراً، وذلك على سبيل المثال وليس الحصر؟
ما كشفه العراق ان في استطاعة ايران ان تهدم وليس ان تبني. ما نتيجة الهدم وكيف سترتد على ايران نفسها؟ هذا هو السؤال الذي يطرح نفسه في ظل التطورات التي يشهدها العراق الذي لم يعد من امل في اعادته دولة طبيعية تكون نموذجاً لما يفترض ان تكون عليه دول المنطقة، كما كان يتصوّر «المحافظون الجدد» في إدارة جورج بوش الابن الذين خططوا لاجتياح العراق قبل الانتهاء من معضلة أفغانستان.
نرى الولايات المتحدة حالياً تواجه كارثة في العراق وأفغانستان في الوقت ذاته. هناك بلدان لا مستقبل لهما في ايّ شكل، خصوصاً ان الخيار الوحيد في أفغانستان هو الاستسلام لـ»طالبان»، فيما الخيار الوحيد في العراق هو الاستسلام لمزيد من التشرذم الذي يبدو ان ايران تسعى اليه.
تتدخّل ايران في سوريا. ادّى تدخّلها الى بقاء بشّار الأسد في دمشق. في كلّ يوم يبقى فيه بشّار في سوريا، يقترب البلد من الانهيار الكامل ويتضاءل أي امل في التوصّل الى حل سياسي يحافظ على وحدة سوريا. ليس معروفاً تماماً لماذا إيران مصرّة على التدخل في سوريا وتوريط ميليشيا «حزب الله» اللبنانية في حرب على الشعب السوري. ليس هناك من هو قادر على الإجابة عن سؤال في غاية البساطة من نوع: ما الفائدة من بقاء بشّار الأسد في دمشق بالنسبة الى ايران؟ هل بقاء بشّار الأسد سينقذ الاقتصاد الايراني؟ هل سينقص عدد الذين تحت خط الفقر في ايران، علماً ان عدد هؤلاء يتجاوز نصف عدد الشعب الايراني؟
ثمة من يقول إنّ ايران في حاجة الى السيطرة على سوريا من اجل «حزب الله» في لبنان. ما هذا الإنجاز الذي اسمه «حزب الله» الذي لم يعمل سوى على إفقار اللبنانيين وتدمير مؤسسات الدولة اللبنانية. كيف يمكن لإيران الاستفادة من منع «حزب الله» انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية؟
الواضح، اقلّه الى الآن، ان رئاسة الجمهورية اللبنانية ليست ورقة إيرانية. انتخاب رئيس للجمهورية همّ لبناني وليس همّاً اميركياً. وهذا ما لم تستطع ايران فهمه. لكنّ ذلك لم يمنعها من متابعة حربها على لبنان واللبنانيين والعمل على اثارة الغرائز المذهبية في بلد كان يمكن ان يكون نموذجاً للعيش المشترك في المنطقة.
باستثناء خدمة «داعش» في العراق وسوريا ولبنان، لم تفعل ايران شيئاً. بل ربّما فعلت شيئاً. فيوم الجمعة الماضي أحيت ايران ما تسمّيه «يوم القدس» وذلك في سياق المزايدة التي تمارسها على العرب. مختصر اللعبة انّها خطفت فلسطين والفلسطينيين من اجل الاتجار بهم. كانت النتيجة ان إسرائيل تقضم يومياً جزءاً من القدس وذلك منذ اليوم الاوّل الذي أعلنت فيه ايران عن احياء «يوم القدس» في العام 1979.
لا تشبه ايران في هذه الايّام سوى سوريا في العام 2010، أي قبل سنة من اندلاع الثورة فيها. هناك نظام ديكتاتوري مخابراتي بامتياز يسيطر على كلّ مرافق الحياة في البلد وهو نظام مكروه من الشعب الايراني. وهناك تحديات اثنية وعرقية فرضت قبل ايام تغيير رئيس الأركان بشخص ضابط مختص بالحرب على الاكراد هو محمّد حسين باقري. تنبّهت ايران أخيراً ان الورقة الكردية لا تخدمها، ووجدت نفسها في مركب واحد مع تركيا الساعية الى إعادة تموضعها إقليمياً ودولياً!
لم يعد سرّا انّ أموال الشعب الايراني تصرف على تنظيمات لا علاقة لها سوى بتخريب دول المنطقة أكان ذلك في العراق او سوريا او لبنان او البحرين او اليمن. ما الفائدة من صرف أموال على «حماس» في فلسطين غير خدمة المشروع الاستعماري الإسرائيلي القائم على الاحتلال؟
الفارق الوحيد مع سوريا ان ايران بدأت تتنبّه الى ان كلّ المناورات التي مارستها، بما في ذلك تلك المرتبطة بملفّها النووي لم تؤد الغرض المطلوب. في النهاية لا يمكن بناء دولة قويّة ذات دور إقليمي على اقتصاد هشّ، بل هشّ جدا، مرتبط بمشيئة اميركا وأسعار النفط والغاز.
قبل ايران، حاول الاتحاد السوفياتي، الذي امتلك الصواريخ العابرة للقارات والقنابل النووية، لعب هذا الدور. ماذا كانت النتيجة؟ اين الاتحاد السوفياتي بعظمته وجبروته وايدولوجياته الساذجة؟
لا يوجد سبب يدفع الى الاعتقاد بأن مصير النظام في إيران سيكون افضل من نصيب النظام السوفياتي. السؤال الوحيد الذي يطرح نفسه في المناسبة الى ايّ حد سيتمكن النظام الايراني من إلحاق خراب بدول المنطقة قبل ان يبلغ مصيره المحتوم؟