ليس من باب التجني القول إن طهران أثارت حفيظة العالم فما قامت وتقوم به من أساليب وتدخلات في شؤون دول الجوار وزرع خلايا نائمة فيها وتمويلها للإرهاب، كلها أمور خطيرة تجرها إلى مواجهة خيارات مؤلمة. إيران تمارس كل ما تريده من سلوكيات غير مشروعة ولم تترك شيئاً سيئاً لم تستخدمه. آخر تلك الممارسات ما فعلته طهران من سلوك غير مسؤول بتسهيلها إدخال مواطنين سعوديين إلى أراضيها، دون وضع ختم على جوازاتهم، في وقت تنتشر فيه الإصابة بفيروس كورونا الجديد؛ مما شكل خطراً صحياً هدد سلامة المواطنين والمقيمين في المملكة، وكانت محقة السعودية عندما وصفت أفعال إيران بأنها «تقويض للجهود الدولية لمكافحة الفيروس»، وبالتالي «تتحمل إيران بموجبه المسؤولية المباشرة وما سببه ذلك من تفشي الإصابة بالفيروس». خبر نُشر بالأمس أيضاً يؤكد سياسة إيران العدوانية، حيث امتنعت عن السماح بدخول المفتشين الدوليين إلى موقعين طلبت الوكالة الدولية التحقق من وجود أنشطة نووية محتملة فيهما. نعود للوراء قليلاً لنتذكر ما فعلته من استفزاز دول جوار وممارسة أفعال قرصنة مجرمة وزراعة ألغام واحتجاز ناقلات وتعطيل الملاحة الدولية في مكان يُعد شرياناً للاقتصاد العالمي؟ ومع ذلك لم يحرك المجتمع الدولي ساكناً وفي مقدمته المؤسسة الدولية المسؤولة قانوناً عن حمايته وأمنه. القراءة الواقعية لما يحدث في المنطقة تقول إن من أوصل الأمور إلى ما وصلت إليه هي إيران بأفعالها وأساليبها العدوانية وممارساتها التي تتعارض مع مبادئ القانون الدولي.
معضلة إيران المزمنة تكمن في تغليب النظرة الآيديولوجية العقائدية على المصلحة الوطنية، وذلك منذ نجاح الثورة الإيرانية في فبراير (شباط) عام 1979 بدليل استخدام أسلوب تصدير الثورة ولو بشكل مغاير. النظام أعاد وضع الخيارات الأمنية والعسكرية على سلم الأولويات على حساب الاستحقاقات الداخلية من وضع اقتصادي متردٍ وانفجار سكاني وترهل تعليمي واجتماعي.
نحن نحترم الشعب الإيراني والمذهب الشيعي ولكننا نرفض سياسة نظام الملالي حيث التدخل في شؤون الغير من خلال رؤية طائفية وعبر حركات وأحزاب وعناصر للمراهنة على دور أكبر وخلق نفوذ له في تلك الدول. نسمع من حين لآخر من مسؤولين إيرانيين عن أهمية التعاون المشترك وقواسم الدين والأخوة والجوار، ثم يتبين لاحقاً أنها ما هي سوى عبارات إنشائية لا تثمر شيئاً، بل تدخل في باب الاستهلاك الإعلامي، كون العقلية الإيرانية السياسية توسعية وتميل للتصعيد والتأزيم. يحلو لبعض يساريي العرب المناداة بالحوار مع إيران من باب المناكفة والمماحكة بالمملكة ورغم أنهم يعلمون المسألة وخفاياها نعيد على أذهانهم أن إيران جزء من المشكلة لا الحل بدليل أنها طرف أصيل في نزاعات المنطقة ولا تريد السلام فكيف تطرح رأيها في نزاعات وخلافات ما كان لها أن تكون كذلك لولا تدخلها المباشر فيها؟ سبق للرئيس رفسنجاني قبل سنوات أن اتهم أطرافاً داخل بلاده بتحمل المسؤولية في تردي العلاقات بين الرياض وطهران وأنهم هدموا ما بناه من جهد لتحسين العلاقة. مقولته تلك أخلت مسؤولية دول الخليج ووضعت الحكومة الإيرانية آنذاك في موقف لا تحسد عليه.
تصعيد طهران مع دول الخليج هو أسلوب معتاد وممنهج إذا ما عدنا للتاريخ، باستثناء الفترة الخاتمية التي شهدت تقارباً خليجياً – إيرانياً. الإيرانيون يصنعون الأعداء إذا لم يكن لديهم أحد لهدف استراتيجي يتمثل في إيهام الآخرين أن بلادهم دائماً في موقع المدافع عن حقوقها وتصوير البلاد بأنها مستهدفة وتحت ابتزاز الخارج وبالتالي عليها قمع أي مظاهرات أو احتجاجات في الداخل لأنه لا صوت يعلو على صوت المعركة وهو ما حدث فعلاً.
السعودية تمثل، وما زالت، لإيران وللمحافظين تحديداً، هاجساً سياسياً وعقائدياً، فلجأوا إلى مختلف السبل من أجل تضييق الخناق عليها وحاولوا جاهدين الضغط والتأثير سلباً عليها مدركين بأن مخططهم التوسعي لن يتحقق له النجاح طالما أن السعودية تمثل الصوت المعتدل والخطاب المتوازن ولها نفوذها المؤثر في المنطقة والعالم.
إذن ما الخيارات المطروحة لنظام إيران طالما أنه موقن ليس بمقدوره مقاومة استراتيجية واشنطن وحلفائها ناهيك عن عدم قدرته عسكرياً على المواجهة؟ الإجابة واضحة لا بد من الرضوخ لكل المطالب الأميركية والدولية العادلة فيما يخص برنامجها النووي أولاً والصاروخي الباليستسي ثانياً ووقف تدخلاتها في شؤون الدول الأخرى وعدم تمويل الإرهاب.
إذا استمرت طهران في تعنتها فإن العقوبات المشددة ستأخذ طريقها للتطبيق بشكل صارم وستلحق بإيران كارثة اقتصادية لأنه سيكون انهياراً اقتصادياً غير مسبوق. ومع ذلك من يستمع للتصريحات الإيرانية يلمس أنهم لم يتخلصوا بعد من فيروس المكابرة. إيران قد تنحني أمام العاصفة ولكن هذا لن ينقذها من مواجهة الأيام الصعبة. كما أن الحرب كخيار سيبقى دائماً مطروحاً على الطاولة وإن كان لا أحد يرغبها وإيران تدرك أنها الخاسر الأكبر فيما لو اندلعت، فالكل يعلم حين الحديث عن توازن القوى العسكرية إلى أين ترجح الكفة بكل تأكيد. سلوك طهران هو بمثابة انتحار سياسي وعليها الارتهان للواقعية وتغيير سلوكها العدواني والتعاطي بمفهوم الدولة لا الثورة لأنه المخرج الوحيد لها إن أردنا الحقيقة