يُخطِئ الأفرقاء السياسيون اللبنانيون الذين يتعاطون، بالمكابرة والتّعالِي وبالممانعة المُزيّفة، مع القرارات والعقوبات الدولية، مُراهنين بذلك على الإفلات من الحساب الوطني والأُمميّ الحتميّ، فمكرِهم وخبثهم هذه المرّة لن يُساعداهم على التّخلّص من المثول أمام محكمة الشعب والتاريخ، لأنّهم بسياساتِهم السلطوية يكفرون بحق الوطن والمواطن، ويُدفّعونه الأثمان الغالية، وبجهلهم للمفاهيم الإقتصادية وفشلِهم في إدارة الدولة، ورفضهم للحقائق العلمية، وتنكّرهم للمصلحة الوطنية، يُصبحون هم “القصاص الفعلي” وليس العقوبات الدولية، ويصبحون هم المعاناة الحقيقية المفروضة على الشعب نتيجة ذنبٍ لم يقترفه، ونتيجة صراعاتٍ إقليمية توسعيّة فقهية ومذهبية لا قناعة له بها.
وأكثر الأدّلة وضوحاً على صحّة هذا الكلام، طبيعة حياة الشعوب التي عَنَوْها بدعوتهم “الإتّجاه شرقاً”، فالشعب الإيراني يُناضل منذ سنوات طِوال داخل نفق جُهنميّ، بسبب إنكار حكّامه للوضع الإقتصادي والإجتماعي والإنساني الذليل الذي وصلت إليه إيران، ونتيجةً لسياسة المشنقة والإسكات والتّعذيب التي ينتهجها نظام الوليّ الفقيه، والشعب السوري يُعاني من ظلمٍ لم يشهده شعب آخر في العالم خلال القرون الأخيرة، بسبب إجرام نظامه وممانعته المدمّرة لكلّ مقوّمات الدولة. ويأتي الآن دور الشعب اللبناني الذي بدأ يتلمّس معنى المعاناة الحقيقية التي فرضها عليه أفرقاء لبنانيو “الهوية” ولكنهم “إيرانيّو، فقهيّو” الثقافة، يأسرون الشعب لاستخدامه رهينةً في عمليات المساومات التي تخوضها إيران مع الدول الكُبرى لفكّ الحصار عنها.
إنّ محاولات التّكابر والتّعالي والإنكار والرفض والممانعة التي تعتمدها السلطة الحاكمة مصيرها الحتميّ الفشل الذريع والسقوط المدوّي، وما مفاخرتهم السخيفة بالصمود في السلطة، إلاّ تعميق لِمآسي الشعب اللبناني وتصعيب للخروج من الأزمات المتراكمة. وللتاريخ نقولها: “على قدر المعاناة يأتي الحساب”، حسابٌ عسير لمسؤولين، غافلين، فاقِدين للحسّ الوطني، مُستهزئين بقدرة الشعوب على الإقتصاص، وبقساوة الأحكام الإنسانية القادمة. الحساب آتٍ لا محالة، لأنّه المسار التاريخي الإنساني الطبيعي، ولأنه مصير الشعوب والحكّام، وهذا ما يخشاه مَن في السلطة لأنّهم يُدركون مدى تهديد المشاريع الإنقاذية والقرارات الإصلاحية على مشروعهم التّسلّطي، ورفضهم لها يحمل في طيّاته خطورة تفكيرهم المُجرم الرافض لإنقاذ الوطن والوجود الحرّ، مُستخدمين شعارهم الخشبيّ الساقط، برفض القرارات الدولية كونها تمسّ بالسيادة الوطنية، مُتناسين عمداً، أنّ احترام السيادة الوطنية يتلازم دائماً مع احترام الحريّات العامة ويُشكّلان ركيزتينِ أساسيّتينِ للأنظمة الديموقراطية، كما أنّ السيادة الوطنية يُدافع عنها ضدّ أيّ غازٍ وليس إستنسابياً. أمّا في حالتنا نحن، فرفض السلطة للقرارات الدولية يندرج في إطار مؤامرة تكريس وطنٍ آخر مُظلم ورهيب، بدل الوطن الذي أنشأه أجدادنا واستشهد من أجله أبطالنا، وطن الحريات الفكرية والدينية والسياسية والإقتصادية والإعلامية، وطن شارك أبناؤه المفكّرون بوضع شرعة حقوق الإنسان الدولية.
نعم، نُدرِك تماماً أنّ محاولاتهم المُستمرّة لِتغيير ثقافة وطن الأرز، تمضي قُدُماً، ولكننا نثق تماماً بقدرتنا على مواجهة محاولاتهم بكلّ صلابة وصبر، ونُؤكّد تماماً أنّنا سنُفشّل مشروعهم وسنُدافع عن وطننا وسننتصر. ما نخشاه حالياً مدى قساوة الخسارة الوطنية التي سيتحمّلها الشعب اللبناني نتيجةً لهذه الغزوات، خسارة لن تنحصر بهبوط مستوى الحياة الإجتماعية الذي طالما تغنّى به الشعب اللبناني، ولن تنحصر بانخفاض القدرة الشرائية وبتراجع المُدّخرات الشخصية والوطنية، بل ستحلّ هذه الخسارة على كلّ شاردةٍ وواردة من تفاصيل حياة الشعب اللبناني، لِتبلغ كرامته الإنسانية. فالمؤسسات الخاصة لن تصمُد، لأنّها ستُصادر من قبل السلطة لِتستمدّ مقوّمات صمودها بوجه نقمة الشعب، والعمل الفردي لن يبقى، لأنّ استقلالية الأفراد تعرقل قدرة السلطة على الإمرة وعلى فرض الإرادة، وبالتّأكيد، الرأي السياسي والإقتصادي والفلسفي والعلمي سيُقمع، لأنّ السلطة بحاجةٍ لأزلام وليس لمفكّرين.
إنه نوع الحياة التي ستفرضها السلطة الحاكمة على الشعب اللبناني، بدعوتها له الى “الإتجاه شرقاً”، أي شرقهم هم، وليس شرقنا الطبيعي، الذي نحترم ونُقدّر ونتعاون ونُنسّق معه.
لا واللهِّ لا، لن نقبل بذلك أبداً، مهما هدّدوا بضرب السلم الأهلي مقابل فكّ الخناق عن جبروتهم وسلطانِهم، ولن نستسلم لإرادتهم مهما تشاطروا وتلاعبوا بالحقائق وتشيطنوا في الإعلام، ولن نُغادر ونُهاجر مهما فُتحت أبواب الهجرة، فمسارنا واضح، إمّا بلد المواطن الحرّ والمُحترم والمُتساوي والمشارك في بناء دولة المؤسسات والحريّات والمواطنية، وإمّا لا حياة لمشروعهم الظلاميّ التّأخُّريّ.
فنِضالنا صامد ضدّ مؤامراتِهم، وحتميّ وفاضح لخداعهم وخبثهم، ومُفشّل للقاءاتِهم المُفخّخة ومسرحيّاتهم الصوَريّة، وبالمقابل دعواتنا لهم صادقة، دعوات للتّوحّد تحت مفاهيم ديموقراطية، وإعادة تكوين السلطة بكلّ مجالسها وأجهزتِها، والتوحّد على حقّ المواطن بالمعارضة البنّاءة، دعوتنا لهم هيَ لبناء السلطة الحضارية والمُتمدّنة التي تعمل تحت مِجهَر المعارضة المسؤولة، والشعب الحيّ المُتحرّر من الزبائنيّة. هذا هو الحلّ، وهكذا تُبنى الجمهورية القوية، وهذا هو الإصلاح الذي نحتاجه، وهذا هو وطن المواطنية الصحيحة، والسلام.