في المواجهة الأميركية – الإيرانية، يبدو تشرين الثاني المقبل مفصلياً. ليس السبب فقط احتمال خروج الرئيس دونالد ترامب من البيت الأبيض. إنه خصوصاً، انتهاء حظر التسلّح المفروض على إيران دولياً، منذ اتفاق فيينا 2015.
يراهن ترامب على أنّ الإدارة الأميركية المقبلة، سواء كان هو على رأسها أو الديموقراطي جو بايدن، لن تبدِّل نهجها تجاه إيران. ولذلك، لن ينفع طهران أن تراهن على التغيير. لكن الأخطر هو تَفلُّت إيران من القيود في مجال التسلّح.
عند هذه النقطة تحديداً تبرز الصين في الواجهة. فهي تنتظر بفارغ الصبر لحظة البدء بتعاون استراتيجي عميق جداً مع طهران، على مختلف المستويات، بما في ذلك تزويدها ترسانة عسكرية هائلة، سيديرها خبراء صينيون، ضمن صفقة تدوم مفاعيلها 25 عاماً، برسملة 400 مليار دولار.
هذا أكثر ما يستثير الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، هذه الأيام. صحيح أنّ بنود الصفقة لم تتَّضح بعد. ولكن، رشح منها أنّ طهران منحت الصين بعض الجزر في بحر عُمان، وامتياز إنشاء قواعد عسكرية على الأرض الإيرانية، في مقابل أن تتولى بكين عمليات التمويل والإدارة للعديد من قطاعات الطاقة، وشراء النفط.
منذ اللحظة الأولى لاتفاق فيينا النووي، بَدت بكين مصمّمة على أن تكون سبّاقة في فتح خط استراتيجي مع طهران. وسارَع الرئيس الصيني شي جين بينغ، في العام التالي، ليكون أول زعيم يزور طهران بعد الاتفاق، ويعقد قمة مع المرشد علي خامينئي تمّ خلالها توقيع مجموعة من الاتفاقات.
المطلعون يقولون: «المعلومات التي ترشح عن الاتفاق كافية لا لاستثارة واشنطن فحسب، بل موسكو أيضاً بدرجة أدنى، وسائر القوى الدولية والإقليمية. فلا أحد في نادي الكبار الفاعلين تقليدياً في الشرق الأوسط يرتاح إلى دخول «التنين الصيني» شريكاً قوياً مُضارباً».
ومن هنا، يمكن للمراقبين أن يفهموا لماذا فَرمل الأوروبيون تعاونهم مع إيران وتراجعت حماستهم لإقامة المشاريع معها، بعد توقيع اتفاق فيينا، وتموضعوا أخيراً في اصطفاف أقرب إلى واشنطن؟
الاتفاق الصيني – الإيراني يمنح بكين حدّاً مقلقاً من السيطرة على بعض القطاعات في إيران، ولا سيما منها الاقتصادية والعسكرية. وهذا ما أثار استياء كثيرين، حتى داخل البيئة الإيرانية القريبة من الحُكم. ومن هؤلاء الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد الذي حذّر من اتفاق «يخالف مصالح إيران، غير شرعي، ولن تعترف به الأمة».
عملياً، يكون الإيرانيون قد هربوا من «إمبريالية» الولايات المتحدة ليقعوا تحت سيطرة «الإمبريالية» الصينية الصاعدة. ومعلوم أسلوب تعاطي بكين مع الدول الضعيفة في آسيا وإفريقيا. فهي دخلت هناك باستثمارات هائلة في عدد من المشاريع والمرافق، وعندما وقع بعض الدول في العجز عن السداد، استردّت الصين أموالها إمّا بوضع اليد على الأصول، ولفترات طويلة، وإمّا بالتَملّك.
لكنّ المأزق الأكبر الذي تعيشه دول الشرق الأوسط هو أنّ الإيرانيين جعلوا من هذه الدول عموماً ساحة مواجهة بين الولايات المتحدة والصين. وهذا ما يشكّل استعادة للمواجهة التي جرت خلال الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي في النصف الثاني من القرن الفائت، والتي كلّفت المنطقة كثيراً من الخسائر.
إذاً، المواجهة التي تدور اليوم بين واشنطن وطهران ستصبح لاحقاً مواجهة دولية خَطِرة بين الولايات المتحدة والصين. وهي ستبدأ بزحف «التنين الصيني» إلى إيران أولاً، حيث يثبّت أقدامه، لكنها ستّتسِع عندما يبدأ إمرار أصابعه في اتجاه الشرق الأوسط بكامله.
ستكون إيران قاعدة الانطلاق الصينية نحو اليمن والعراق وسوريا ولبنان والضفة الغربية، أي نحو الجزيرة العربية وشاطئ المتوسط الشرقي وحدود إسرائيل. وفي هذه المواقع كلها مصالح للولايات المتحدة وحلفائها العرب وإسرائيل. ولذلك، سيكون استنفار هؤلاء عنيفاً والمواجهة شرسة، في قلب إيران كما في امتداداتها الإقليمية.
من هذا المنطلق، يَفهم بعض الخبراء لماذا بدأ «حزب الله» يطرح «الحلّ الصيني» أو الصيني – الإيراني في لبنان، بعدما اصطدم الحلّ الروسي بواقع التعاون الضمني بين واشنطن وموسكو، والتنسيق حول الخطوط العريضة في الشرق الأوسط.
وإذا أصرَّ «الحزب» على هذا الحلّ، فمن الممكن تَوقُّع الكوارث، لأنّ الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل ستقطعان الطريق على إيران والصين معاً في لبنان.
ومعروفة أساليب الضغط التي يتعرّض لها الإيرانيون اليوم… في إيران، كما في لبنان وسواه. ويكفي بعض الخيال لتقدير الخسائر الآتية.