انتهى نهار أمس على «مفيش»! فبعد المواكب السيارة لجمهور»حزب الله» وتوزيعه الحلوى ابتهاجاً ـ كعادته ـ بعد ما قيل عن عملية «الحزب» في مزارع شبعا، أخرج الحزب الناطق العسكري غير الرّسمي باسمه وئام وهاب ليصرّح عبر التلفزيون ليمهّد لبيان الحزب المحرج بقوله «ما جرى ليست عملية لحزب الله بل هو استنفار لدى الجانب الإسرائيلي ورعب من عملية ما»، وسبحان الله لقد استعار الحزب كلام وهّاب بالحرف وأصدره بياناً باسمه أعلن فيه أنّه «لم يحصل اي اشتباك أو اطلاق نار ولكن كان من طرف واحد فقط هو العدو الخائف والقلق والمتوتر»، أقلّ ما يقال في هذا الكلام أنه «سخيف» وفيما حدث بالأمس أنّه «مهزلة» وفي صمت الدّولة وما يتمناه لها الشعب «نومة بلا قومة»، وفي ما يقوله اللبنانيّون أنقذوا لبنان من إيران وحزبها، أرى الله المنطقة ولبنان يوماً فيها وفي حزبها.
لو أراد أيّ مواطن لبنانيّ أن يصف مشاهد الأمس من احتمال اندلاع حربٍ مدمّرة لو اشتعلت الجبهة جنوباً لقال إنّ ما شاهدناه هو إعلان مدوٍّ لوفاة الدولة، نحن أمام دولة لا تستحي ويصحّ فيها صدق الحديث «إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت» لأنّها سلّمت قيادها وأمرها وأرواح اللبنانيين وتنازلت إلى حزب الله وإيران من خلفه، لم يصدر تعليق واحد ولو على حياء ليسأل ماذا حدث، وأثبتت هذه مجدداً أنّها دولة ميتة وأنّها «فقدت قدرتها على اتخاذ القرارات العامة وتنفيذها»، وأنّها «دولة ذات حكومة مركزية فاشلة مشلولة أمام حزب الله وغير فعالة بل لا تملك حتى السيطرة على جزء كبير من أراضيها»؟!
مشاهد الأمس مخيفة، كأنّها مشهد «تجريبي» لما سيكون الأيّام المقبلة، كرةُ نار ستكبر وبسرعة وكلّ الخوف أن تُشعل البلد، كأنّه مشهد مستعاد من 12 تموز وحسابات حزب الله الخاطئة باختطاف عسكريين إسرائيليين من وراء الخطّ الأزرق فتسبّب في مقتل عشرة استحصل على جثتي اثنين منهم أحدهما لفظ أنفاسه في طريق هروب حزب الله بهما صوب البقاع، مشهد الابتهاج والمواكب السيّارة وتوزيع الحلوى كان سيّد المشاهد ذاك النهار في الضاحية الجنوبيّة، «ويا فرحة ما تمّت» استيقظ المبتهجون أنفسهم على الضاحية وقد أصبحت ركاماً على الأرض!
وعلينا التنبيه هنا أنّنا في كل مرّة نشاهد حالة الابتهاج والمواكب السيارة وتوزيع الحلوى على أن نتوقّع أنّ هذه المشاهد ستترجم فائض قوة في الدّاخل اللبناني تتردّد أصداؤه «شيعة.. شيعة» في شوارع العاصمة بيروت لإخافة اللبنانيّين!
في حزيران العام الماضي 2019 كتبنا في هذا الهامش تحت عنوان «إيران دولة الشرّ» متوقفين عند تهديد مستشار قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء مرتضى قرباني بأنّه «إذا ارتكبت إسرائيل أصغر خطأ تجاه إيران، فإننا سنسوي تل أبيب بالأرض من لبنان، من دون الحاجة معدات أو إطلاق صواريخ من إيران»، وفيما تنفّذ إسرائيل عمليات استهداف مواقع حساسة في داخل إيران التي لم تجرؤ على فتح فمها بحرف، وفيما سقط لإيران جنرال في الغارة التي استهدفت موقعاً إيرانياً في محيط مطار دمشق قتل فيه أحد قيادات حزب الله سكتت إيران واشرأبّ حزب الله بعنقه متطاولاً للردّ «من لبنان» على قصف وقع «في دمشق» مع أنّ الحزب تشدّق طويلاً عن أنّ الحرب المقبلة على إسرائيل ستنطلق من الجولان السوري، «الجولان» الذي أعلنت إسرائيل ضمّه فخرس الأسد ومحور الشرّ معه والذي بات يطلق عليه اليوم «محور المقاومة» بعد استبداله باسمه السّابق «محور الممانعة»!!
مسكين لبنان، الذي يدور فيه سفير إيران دولة كلّ الشرور في المنطقة من زيارة البطريرك في الدّيمان إلى زيارة مفتي الجمهوريّة في الزيدانيّة، ولا يجد بينهما من يعتذر عن استقباله إى حين تكفّ إيران عن دعم فريق لبناني بالصواريخ والسلاح وتصادر قراراته السياديّة عبر هذا الفريق وتستخدم حدوده منصّة لشنّ الحروب عبر حزبها فيه، فماذا بعد؟
«يا جماعة» ألا يوجد في هذا البلد رجالٌ يتجرّأون على أخذ قرار بمقاطعة إيران ورفض استقبال سفيرها لوضع الأمور في نصابها، بدلاً من تضييع الوقت في الحديث عن عناوين لن توصلنا إلى مكان مهما كانت صحيحة، حتى لا نشاهد جولة حرب مصغّرة كالتي رأيناها بالأمس وحتى لا يعيش لبنان مأساة مدمّرة كالتي عاشها في تموز العام 2006 ثمّ قيل له إنّ ما حدث «نصر إلهي»!!