إيران لا تتدخّل في لبنان. هذا ما يكرّره ويصرّ عليه أنصارها، وهي، على مستوى الرسميين فيها، تكرّر لازمةً مشهورة كرّرها قبلها النظام السوري على مدى سنوات، وموجزها: نحن مع كل ما يتّفق عليه اللبنانيون في لبنان “الشقيق”!
مع ذلك لإيران رأيها غير المُستتر في شؤون البلد. رحّبت على لسان الراحل قاسم سليماني بفوز 74 نائباً مُنتمياً لخطّها في الإنتخابات السابقة، واعتبرت بيروت واحدة من العواصم العربية الأربع التي تسيطر عليها، وأعلنت أنّ “حزب الله” هو بمثابة “درّة التاج” في حضورها، وأنّه قادر لوحده على تدمير اسرائيل…
تلك ثوابت معروفة، وفي التفاصيل لإيران موقفها أيضاً. دعمت حكومة حسّان دياب، ومانعت في استقالتها، وتوقّعت استمرارها ولو تصريفاً للأعمال، وهاجمت المبادرة الفرنسية واتّهمتها بالعمل لاستعادة النفوذ الغربي والأميركي في لبنان، في اعتباره صار منطقة نفوذ مِحور الممانعة…
واليوم يطرح سعد الحريري حكومة تنفّذ بنود الورقة الفرنسية وتلتزم آليات التشكيل التي طرحها الرئيس إيمانويل ماكرون، لجهة تعيين وزراء اختصاصيين في مهمّة لمدّة محدّدة. وفيما كان يفترض ان يُبَتّ موضوع التكليف يوم الخميس الماضي، تم إرجاء الإستشارات اسبوعاً وسط ما يبدو صراعاً بين الحلفاء، “حزب الله” و”التيار الوطني الحرّ”، على طبيعة الحكومة وترشيح الحريري، وصولاً الى تركيبة الوفد المفاوض مع اسرائيل…
إرتفاع الأصوات المُعبّرة عن الإختلافات بين الفريقين بات سلعةً يومية، وهو يُهدّد فكرة الحكومة المطروحة، ويجعل كثيرين يتساءلون: هل من تنسيق بين الحليفين لمنع الحريري من السير في اقتراحه وتشكيل حكومة جديدة؟
الأيام القليلة المقبلة ستكشف الحقيقة، وفي الإنتظار، لا بأس في إيراد بعض ما كتبته صحف ايران (وكلهّا رسمية) عن الموضوع.
صحيفة “مردم سالاري” عنونت: “دعم سعودي لتكليف الحريري…”، وقالت صحيفة “قدس”: “جعجع يُخطّط لتفجير حرب داخلية لتهميش المقاومة، استعداداً للتطبيع ولتنفيذ الوصفات الغربية الخاصة بمستقبل لبنان…”.
وفي السياق، رأت صحيفة “سياست روز” أنّ “هناك رؤية واسعة تُحذّر من أنّ عودة الحريري للسلطة ستمهّد أمام إعادة لبنان للنفوذ الغربي والرجعي ولدخوله معسكر التطبيع”!
وتختم الصحيفة المذكورة (في عددها أمس) “إنّ فرص نجاح الحريري، في حال تكليفه، تبقى مرهونة بمدى قدرته على توظيف كلّ علاقاته لمصلحة تعزيز أمن واستقرار لبنان، بعيداً من أي نفوذ وتدخّل أجنبي”…
التحليلات الإيرانية تُكمل صورة التناكف الداخلي وربّما ترسم نهاياته كما يحصل غالباً… أما التطبيع فجرى على لسانها في زلّةٍ بحكم العادة.