تبقى إيران حجر عثرة مؤكداً في نطاقها الجغرافي الإقليمي، وكذا على الصعيد العالمي، الأمر الذي يقطع بأن قادم أيامها يحمل لها المزيد من المتاعب والمصاعب، طالما استمرأت العناد، وتشرنقت من جديد ضمن أطرها الثيولوجية التي تجاوزها الزمان.
منذ بضعة أيام، وخلال اللقاء الافتراضي الذي جرى بين السفير الأميركي لدى المملكة العربية السعودية، جون أبي زيد، الجنرال الشهير السابق، العربي الأصل، وبين عدد من وسائل الإعلام في المملكة، والذي تناول مسارات ومساقات العلاقات الأميركية – السعودية، طوال 75 عاماً، كان حديث مندوب الدبلوماسية الأميركية يمضي في اتجاه ضرورة العمل بجهد لردع السلوك الإيراني المخرب في المنطقة، ومؤكداً أن تدخلات إيران في اليمن تزيد من صعوبة إيجاد مسار للسلام والحل.
ليس سراً القول إن السلام معنى ومبنى أمر لا يطرح على طاولات النقاش في طهران، ذلك أن الملالي منشغلون أبداً ودوماً في التحضير للحروب، مباشرة تارة، وبالوكلاء الذين يمثلون الطابور الخامس تارة أخرى.
ولعلها من المصادفات القدرية أن تأتي تصريحات السفير أبي زيد في الوقت الذي تم فيه إحباط عدة هجمات إرهابية باتجاه السعودية أطلقتها الميليشيات الحوثية لاستهداف المدنيين، حيث تم تدمير 3 صواريخ باليستية و6 مسيّرات مفخخة حوثية.
يعن للمحلل السياسي المراقب لما يجري على الأرض في اليمن، لا سيما في مأرب والجوف، حيث الحضور الحوثي الديموغرافي، التساؤل: «من يزود جماعات إرهابية لا تجد القوت اليومي، ولا الدواء الناجع لمداراة الأمراض والأوبئة هناك.. من يزودها بصواريخ باليستية بعيدة المدى تحتاج إلى تقنيات عسكرية عالية، ومسيّرات تعجز الجماعة البائسة عن فهم أبعاد تكوينها، ناهيك عن طرق طيرانها والتحكم فيها من بُعد، أو تزويدها بالمتفجرات لتضحى أدوات موت عابرة السدود والحدود؟
الجواب واضح للقاصي والداني، إنها طهران وملاليها، الواقفون خلف الباب، بالرفض لأي تسوية سلمية في الداخل اليمني، يمكن أن تستنقذ اليمنيين من وهدة الاحتراب الأهلي والطائفي، هذا من جهة، والعمل على تهديد أمن المملكة واستقرارها من جهة ثانية.
ولعله من نافلة القول أن الهجمات الحوثية الأخيرة على المدن السعودية، لا تتجاوز في واقع الأمر «صرخة الطائر الذبيح»، التي يطلقها عندما يدنو أجله، إذ تم القضاء على التعزيزات الحوثية في مأرب والجوف، كما يقتل أكثر من 300 عنصر من الميليشيا يومياً في هاتين الجبهتين، حسب ما أشار إليه المتحدث باسم تحالف دعم الشرعية، العقيد الركن تركي المالكي.
وفيما إيران تنشر الموت في منطقة الخليج العربي، يثني السفير الأميركي على الدور الذي تقوم به المملكة من أجل إعادة السلام إلى اليمن، ويؤكد الدور الإنساني الذي تقدمه الرياض في سياقها الجغرافي، وقد أسفرت جهودها مؤخراً عن إطلاق سراح مواطنين أميركيين كانوا رهائن لدى ميليشيا الحوثي الإرهابية.
ردع إيران في واقع الأمر له منطلقات دولية أخرى، ومؤخراً بات من الواضح أن القيادة الإيرانية تسعى لنشر «سر الإثم»، حول العالم، وقد اختارت الولايات المتحدة بنوع خاص لتثير الفتنة مرة جديدة… كيف ولماذا؟
أما كيف، فقد بدا واضحاً أن الهاكرز الإيراني، الموجه حكومياً حتماً وبالضرورة، قد سعى لتعميق الشرخ بين الأميركيين وبعضهم البعض، من خلال تزوير مواقع إعلامية للتأثير في الرأي العام الأميركي من ناحية، وتهدف المجموعات التي تقف وراء هذه العمليات السيبرانية إلى عرض فيديوهات ومعلومات تنافي وتجافي الواقع.
لا يقتصر الزيف الإيراني وأحاديث الكراهية على ذلك فحسب، إذ رصدت أجهزة الأمن الفضائي الأميركي، ومجمع الاستخبارات، لا سيما الوكالة المنوط بها الحماية المعلوماتية، قيام طهران بدس بريد إلكتروني منحول على مواطنين أميركيين؛ بريد يحمل تهديدات بضرورة تغيير التوجه الانتخابي، وغالباً ما وصلت الرسائل إلى ديمقراطيين، طلب منهم أن يصوتوا لترمب، وإلا فإنهم سيقعون تحت عقوبات وتهديدات من الداخل، بعيدة عن يد الحكومة الاتحادية الأميركية.
أما ماذا يعني ذلك، فباختصار غير مخل، إفساح المجال للشقاق الأميركي، وتهيئة الأرضية للاحتراب الأهلي والطائفي، بل العرقي، وإثارة الشغب بين الأميركيين أنفسهم، إذ سيخيّل إلى الديمقراطيين أن تلك الرسائل مبعوثة من قبل التيار اليميني الميليشياوي الأميركي، الذي يستعد بقوة وعنف لما بعد الانتخابات، ولهذا سيكون الرد من قبل الديمقراطيين المزيد من تهيئة الأجواء لرد فعل عنيف مقابل.
هل هذا هو ما تتطلع إليه القيادة الإيرانية، أي تحويل سلام العالم إلى مخاوف وقلاقل، اضطرابات وعدم استقرار؟
المثير أن المكايدات السياسية الأممية، تفتح الآن المجال لإيران للمزيد من التسلح، فيما أوروبا القارة العجوز تبدو متخاذلة أمام الخطر الإيراني الذي بات يطولها من خلال صواريخ الملالي.
العالم مدعو إلى التفكير العميق في ردع إيران قبل استفحال شرورها.