ليس جديداً على قوى الممانعة تهديد العدو الصهيوني بتلقينه درساً لا ينساه انتقاماً لاغتيال مجاهد أو عالم أو قائد أممي أو رداً على اعتداء جويّ أو بريّ. أحياناً يكون الردّ أقرب ما يكون إلى الغزل العذري وأحياناً يكون مزلزلاً. أحياناً ترد الممانعة سريعاً وأحياناً تترك لنفسها أن تختار التوقيت والمكان المناسبيْن. وأحياناً تتذكّر بعد أسابيع أو أشهر أو سنوات أنها توعدت ووعدت بالرد وأحياناً مع الوقت تنسى.
بعد اغتيال العالم النووي الإيراني محمد فخري زاده دعت صحيفة “كيهان” إلى قصف ميناء حيفا (من أين؟) «إذا كانت إسرائيل مسؤولة عن الإغتيال»! راسمةً علامة شك وتاركة تبريراً لعدم الرد، أما القيادة الإيرانية فاستعرضت مروحة خيارات بالرد الإنتقامي على الكيان الصهيوني، المتّهم الأوّل باغتيال زاده، سمتُها التروي والتعقل والحزم. فمستشار المرشد الأعلى حسین دهقان قال إن “الرد الإيراني على اغتيال زاده سيكون ذكياً (ليس كما حصل في قصف مدمرة إيرانية لبارجة إيرانية في أيار الماضي) ونحن من يحدد زمان ومكان الرد وطبيعة الهدف”. وهذا بالتمام ما كان متوقعاً، وقد ترجمه المحلل الإيراني محمد خواجوئي (في صحيفة الأخبار)، بـ”الصبر الاستراتيجي” نقيض “الصبر التكتي” المعبّر عنه بصبر المالك الفقير الذي يتوجه كل شهر إلى المسـتأجر الحقير بالقول “فقعتلي مرارتي من سنتين وكل شهر بتقلي بدك تصبر عليي شوي. للصبر حدود” ويناول المؤجّرُ المستأجرَ لكمة مستوحاة من لكمات مايك تايسون. “الصبر الاستراتيجي” مفتوح في الزمن، وتتقنه تماماً القيادتان السورية والإيرانية، الأولى صابرة على العدوان منذ العام 1973 والثانية صابرة منذ أربعة عقود، على الرغم من قدرتها على إزالة حيفا وتل أبيب في غضون سبع دقائق وثلاثين ثانية على قول المستشار العسكري لقائد فيلق القدس العميد أحمد كريم بور الذي قال أيضاً في العام 2016 أن “ذلك لا يتوقف على إسرائيل وحدها، بل يشمل أيضاً أي بلد في العالم يُهاجم إيران” ومنذ تصريح العميد والعالم يحبس أنفاسه، ولم يرِحه من هاجس الفناء سوى “الصبر الاستراتيجي” الأشبه بالـ “الإحتياط الاستراتيجي” الذي لا يُمسّ.
إذاً “الصبر الاستراتيجي” لا يحده المدى الزمني القصير تماماً مثل توقعات السيدة ليلى عبد اللطيف عن إستلام سيف الإسلام القذافي الحكم في ليبيا أو عن تولي الوزيرة ليلى الصلح منصباً هاماً، يبقى توقع سيدة الإلهام صالحاً لسنة ولسنتين ولخمس ولعشر سنوات.
ولو سُئلت نائبة رئيس التيار الوطني الحر مي خريش اليوم أن تحلل ما كتب المحلل الإيراني عن “الصبر الاستراتيجي” لسحبت مجدداً سجادة كاشانية تحتاج حياكتها إلى صبر أيوب وشركاه وحللت.