حتى اليوم اقتصر الرد على اغتيال الولايات المتحدة الأميركية قائد قوة القدس قاسم سليماني قبل سنة بالتحديد، على قصف طهران قاعدة عين الأسد العراقية التي تتواجد فيها قوات عراقية إلى جانب القوات الأميركية بصواريخ باليستية أصابت القاعدة بأضرار جسيمة من دون إسقاط ضحايا في صفوف الجنود الأميركيين، مع أنها تسببت بارتجاجات في الدماغ لبعضهم وبإسقاط الطائرة المدنية الأوكرانية عن طريق الخطأ. ومع أن المسؤولين الإيرانيين أعلنوا السنة الماضية أن الرد حصل “وانتهينا” فإن العودة إلى توعد الأميركيين يظل حاجة تعبوية لدى قادة طهران، بعد سنة، لرمزية سليماني الذي صنفوه بطلاً قومياً. وإذا كان إعلاء رمزية الرجل جزءاً من “الرد” فهو اقتضى في لبنان إقامة تمثال للرجل في الغبيري ورفع صوره وإطلاق إسمه على بعض الشوارع.
على اللبنانيين أن يتذكروا أنه أوكل إلى الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله بأن يعلن عن الرد، مع أمر عمليات بأن “محور المقاومة” سيقوم باللازم، من أجل الضغط كي ينسحب الأميركيون من المنطقة برمتها، لا سيما من العراق مشيراً إلى أن العراقيين سيتولون المهمة. فهو تنبه إلى وجوب طمأنة جمهور حلفائه وخصوصاً الجمهور المسيحي الموالي لـ”التيار الوطني الحر”، الرافض لزج لبنان في المواجهة الأميركية الإيرانية على أرض العراق وفي الساحات الأخرى. وبالتالي على اللبنانيين ألا يتفاجأوا بما قاله قائد القوات الجوية في الحرس الثوري الإيراني أمير علي حاجي زادة أول من أمس عن أن صواريخ لبنان وغزة التي تمت بدعم من إيران، هي الخط الأمامي في مواجهة إسرائيل. فـ”حزب الله” وفق إيديولوجية ولاية الفقيه، يعتبر أرض الله الواسعة ميداناً له وللحرس الثوري، مهما حاول نصرالله بالأمس الإيحاء بأن الردود على تصريح حاجي زاده شوهت كلامه لتبرير الحملة عليه وعلى الحزب، الذي أُحرج مرة أخرى أمام جمهور “التيار الحر”، لأن الولي الإيراني احتاج إلى قول الأشياء بأسمائها، مهما كانت استفزازية للبنانيين في سياق تهديداته للأميركيين في مرحلة مفصلية بالنسبة إليه. فهو مطمئنٌ إلى موقف الرئيس ميشال عون إلى أقصى الحدود وإلى أن الأخير طالما يحظى بدعم الحزب، سيستوعب ما يصدر على مواقع التواصل، حتى لو كان ما حصل برهاناً على رهن الحكومة لهدف إيراني.
وحدة المسار والمصير بين إيران ولبنان بحكم اطمئنان طهران إلى إحكامها السيطرة على مقاليد البلد إلى درجة لا يحتاج الحرس الثوري إلى لبس القفازات في مواجهة يعتبرها مصيرية، إن خلال الـ16 يوماً التي تفصلنا عن انتهاء ولاية دونالد ترامب، وسط المخاوف من احتمالات عمل عسكري قد يأتي من الجانبين، يستبعده الخبراء، أو قبل أسبوعين من دخول جو بايدن البيت الأبيض، الذي تعول عليه طهران من أجل تغيير السياسة الأميركية حيالها. سبب المجاهرة الإيرانية بإمساكها بقرار استخدام الصواريخ في لبنان وغزة واستثناء العراق واليمن وسوريا من ميادين الرد يعود إلى أن في الدول الثلاث الأخيرة تشهد من يحاشره على النفوذ الذي كان معقوداً له بلا منازع فيها، إن على صعيد الشرائح الاجتماعية في كل منها أو على صعيد القوى الخارجية زائد الولايات المتحدة.
اضطرت طهران إلى المجاهرة بهذا الشكل، مع أضرارها السياسية على أذرعها المحلية، لأنها تحتاج إلى توجيه رسائل التشدد إلى بايدن أكثر من ترامب، فهي لم تلمس منه ما كانت تتمناه