يأتي رئيس أميركي جديد بعد رئيس سابق وقصة منطقتنا مع إيران هي نفسها، وإن تغيرت فإنَّها تتغيَّر للأسوأ، وتكون أمور المنطقة، بل إيران نفسها، قد ازدادت تعقيداً. وبالتالي فإنَّه لا يمكن أن تأتيَ إدارة أميركية جديدة للتعامل مع إيران بمفاهيم قديمة.
وكما يقال فإنَّ أسبوعاً يُعدُّ وقتاً طويلاً في السياسة، فما بالك بأربعة أعوام، وأي أربعة أعوام، مضت للمنطقة مع إيران التي شهدت عقوبات أميركية غير مسبوقة أضعفتها، وكسرت هيبتَها في المنطقة، إضافة لاتساع معسكر السلام بالمنطقة، وتلك قصة أخرى.
نقول إيران التي نعرف لأن الغرب، وتحديداً في واشنطن، على أبواب التعامل مع إيران التي لا يعرفونها الآن، كونها، أي إيران، تغيَّرت، وهو تغيير للأسوأ.
خذ أبسط مثال حيث لم تعد قواعد اللعبة الآن في السياسة الإيرانية قائمة على حمائم وصقور، كما كانت من قبل، وحتى فترة رئاسة أحمدي نجاد، حيث تارة هاشمي رفسنجاني، وتارة أخرى خاتمي.
اليوم لا يوجد في إيران إلا متشددون، لا حمائم وصقور، هناك متطرف ومن هو أشد تطرفاً، إما بالسلاح والقتل كحال الإرهابي قاسم سليماني، وإما بالحيل المفضوحة، كما يفعل وزير خارجية إيران من حيث دسّ السّم بالعسل، أو مقابلة وفد «طالبان» في طهران التي أُعلن بعدها استئناف «طالبان» القتال ضد القوات الأميركية في أفغانستان!
وقبل زيارة وفد «طالبان» هذه لإيران، قُتل، وفي شوارع طهران، نائب زعيم تنظيم «القاعدة» الإرهابي، أغسطس (آب) الماضي. وعليه فإنَّ إيران تتغيَّر صحيح، لكن للأسوأ، وباتجاه التشدد فقط.
والقصة ليست قصة حمائم وصقور، بل إنَّ المشهد الإيراني المعارض يعد قد اختفى تماماً، وإيران الآن في حالة جنون بتنفيذ حالات الإعدام بحق نشطاء، ورياضيين، وصحافيين.
وعليه فيجب أن تدرك واشنطن اليوم أنَّ إيران التي تنوي التعامل معها، ليست دولة حريصة على الاستقرار، ونزع فتيل الأزمات في المنطقة. إيران ليست حريصة مثلاً على المشاركة في المؤتمرات الاستثمارية في الرياض أو نيوم، بل حريصة على التخريب.
إيران لا تريد اتفاقاً في اليمن، ولا استقراراً في العراق، ولا حلولاً سياسية في لبنان، ولا تريد بحث حصتها في التبادل التجاري مع الرياض، أو القاهرة، بل تريد تعزيز ميليشياتها، ونطاق صواريخها الباليستية.
إيران لا تريد حضور احتفالاتنا الخاصة بتدشين مشاريعنا التطويرية، ولا المساهمة في أسواقنا، ولا مدننا الصناعية القادمة، ولا تريد المشاركة في حفلاتنا، كبعد ثقافي حضاري، بل تريد تدمير كل ذلك.
وإيران لا تريد تعميق التواصل ما بين أبناء المنطقة، وإنما إثارة النعرات الطائفية. إيران لا تريد للمستثمرين والمتخصصين والباحثين والفنانين أن يأتوا إلينا من العراق ولبنان، وحتى إيران، بل تريد إرسال الإرهابيين وخبراء المتفجرات.
ولذا فإنَّ إيران اليوم ليست إيران الأمس، بل هي أكثر تطرفاً، وهذا ليس للقول بأنَّ إيران كانت أفضل، بل للقول إنَّها أسوأ، وإنه لا يمكن التساهل مع إيران كل أربعة أعوام هكذا، فما دامت إيران تتغير للأسوأ فلا بد أن تتغيَّر قواعد التعامل معها وتكون مشدَّدة أكثر.