تتنازع المفاوضات في المنطقة فيما لبنان ملقى تحت أرجل طاولاتها يلفظ أنفاسه والنّاظرون إلى احتضاره مجموعة لئام كلّهم قامروا به على موائد مصالحهم، والكلّ ألقوا به على قارعة المنطقة بعدما استنزفوا دماء شعبه لحساب قضاياهم، أمّا اللبنانيّون فينتظرون قدر رفع الدّعم وإغراقهم في الذلّ إلى آخر نفس، ألم يشبعوا بعد من إذلال اللبناني على جميع المستويات؟!
لم تؤّدِ العقوبات على إيران إلى شيء بل بواقعيّة شديدة منذ العام 1980 ـ ويومها كانت إيران دولة ناشئة ـ استطاعت أن تخرّب المنطقة وتطيح بها منفذة فيها أعمالاً إرهابيّة غير مسبوقة في تاريخ هذه المنطقة، وافتتحت وجودها في المنطقة انطلاقاً من لبنان إرهاباً وخطفاً وتفجيراً واغتيالات، وهي اليوم تفاوض العالم بشروطها هي، حتى العرب الذين أحرقوا المنطقة بدعوى مواجهة إيران ها هم يجالسونها ويفاوضونها وقد يكون الثمن لبنان وشعبه!!
لم يفكّر العرب يوماً أنّ لبنان ضرورة أولى وقصوى لأمنهم الاستراتيجي، بل ألقوا عليه كلّ أخطائهم وخطاياهم، من المفارقات أنّ إيران فكّرت بأهميّة لبنان لتمدّدها في كلّ المنطقة من بوّابة لبنان الذي غالباً صنّفه العرب دولة «ترفيهيّة» ليس إلا، فيما وبحسب حجة الإسلام فخر روحاني – سفير إيران في لبنان – في مقابلة أجرتـها معه صحيفة «اطلاعات» الإيرانية في نـهاية الشهر الأول من عام 1984، يقول روحاني عن لبنان: «لبنان يشبه الآن إيران عام 1977، ولو نراقب ونعمل بدقة وصبر، فإنه إن شاء الله سيجيء إلى أحضاننا، وبسبب موقع لبنان وهو قلب المنطقة، وأحد أهم المراكز العالمية، فإنه عندما يأتي لبنان إلى أحضان الجمهورية الإسلامية، فسوف يتبعه الباقون»، ما بُعْد النّظر الإيراني هذا؟! مغامرة إيران في المنطقة توشك على عودة الاتفاق النووي بينها وبين أميركا الذي يبعث البهجة في صدر حزب الله وأمينه العام حسن نصرالله، التفاوض مع الشيطان الأكبر أمر مبهج، حيث تنقلب المواقف وينخفض الصوت، ولكن يبدو أن الثّمن الأكبر سيدفعه لبنان بكلّ تأكيد لأنّ العرب لم يفكّروا فيه يوماً مثلما فكّرت إيران، لطالما اعتبر العرب أنّ لبنان الحظيرة السياحيّة لعباءتهم، ولطالما منّنوا لبنان بأنّهم يساعدونه وإذا غضبوا منعوا قدوم رعاياهم إليه!
أعصاب اللبنانيّين على نار، من أين يجدونها من شبح العتمة الذي يلوّحون به في وجوهنا، من جنون التهديد بارتفاع أسعار كلّ شيء وبشكل هستيري، لعبة التوحش التي تأكل فيها الحيتان السمك الأصغر منها، الشعب السمكة الأصغر في هذه اللعبة، ما الذي سيتبقّى له؟
من الصعب تصوّر ما ستكون عليه الأيام اللبنانيّة المقبلة، لا سياسيّاً ولا أمنياً ولا مالياً ولا اقتصاديّاً، المجهول المقبل علينا مخيف، ووسط ما يحاصرنا من جميع جهاتنا من الدّاخل والخارج، الذين يدّعون أنّهم مسؤولون وقيادات في هذا البلد لا يزالون يملكون وقتاً للتمثيل على أنفسهم وعلى فرنسا آخر دولة أعطتهم اعتباراً إذ يتساءلون كيف صنّفتهم ضمن الذين عطّلوا تشكيل الحكومة وعرقلوا مبادرتها الفاشلة!