يتفق جميع المراقبين على ان المنطقة تمر بتحولات جذرية. فتوقيع ايران على “الاتفاق الاطار” حول برنامجها النووي مع مجموعة الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن زائد المانيا، فتح الباب واسعا امام مسار تغييري في المنطقة لا تُعرف طبيعته حتى الان، لكن من المؤكد ان ايران “ولاية الفقيه” مقبلة بعد انطلاق قطار رفع العقوبات وإصرارها على الانفتاح الاقتصادي المتعدد الوجه وعلى تحولات كبيرة، وان شهدت في المدى المنظور مزيدا من التصلب في آلة النظام العقائدية والامنية كان في الداخل عبر قمع البرجوازية المدنية التائقة الى القطع مع ايران “ولاية الفقيه”، ام في الخارج عبر الاندفاع في اتجاه الاقليم لمزيد من السيطرة على العراق وسوريا ولبنان واليمن. وللتذكير، فإن الاحتفالات الشعبية الكبيرة التي شهدتها ايران ما كانت احتفاء بـ”نصر إلهي” بمقدار ما كانت احتفاء بقرب افول نجم ايران “ولاية الفقيه” واستعجالا لدفن مرحلة الانقطاع عن العالم تحت شعارات “ثورية” ودينية ادت في النهاية الى تبديد ثروات البلاد على الامن والعسكر و”الفتوحات” الاقليمية القصيرة المدى. لقد احتفى الايرانيون في الشوارع بقرب الانفتاح على اميركا اكثر مما احتفوا بشعارات الكرامة والعزة الوطنية التي اراد النظام وضع “الاتفاق الاطار” على البرنامج النووي في سياقاتها بشكل وهمي في النهاية، تنازلت ايران عن برنامجها بوجهه النووي بعدما بددت ثروات وطنية طائلة، انتهت بتجويع الشعب.
ما تقدم لا يعني ان الازمة مع الغرب انتهت، فالعبرة في احترام ايران لالتزاماتها، وهذا ما ستكشف عنه الاشهر المقبلة. اما في ما يتعلق بالمشروع التوسعي في المنطقة، فلا ينتظر ان يحصل تحول في القريب العاجل. ايران كانت ولا تزال قوة عدوانية توسعية في المشرق العربي، وهي تتمدد على المسرح بوجوه متعددة من العراق الى لبنان واليمن مرورا بسوريا.
فالصراع في العراق لن ينتهي مع محاصرة “داعش”، اذ ان النزاعات المذهبية التي فجرتها ايران في الداخل ستبقى بمثابة القنبلة الموقوتة التي يمكن ان تفجر البلاد مرة ثانية وثالثة. اما سوريا فالمعركة ستكون اكثر شراسة مع قرار المواجهة المباشرة الذي اتخذته السعودية وتركيا على الارض. والمتوقع ان تشهد المرحلة المقبلة اشتعال جميع جبهات المواجهة في سوريا، في مسعى من التحالفين المتواجهين لتغيير المعطيات على الارض جذرياً. أما في اليمن فالمشروع الايراني لن يمر إلا بهزيمة التحالف العربي – الدولي، وقد قرر هذا الاخير لحظة اطلاق “عاصفة الحزم” الذهاب الى النهاية لإخراج ايران من الجزيرة العربية . فالحرب في اليمن مصيرية ولا تحتمل حلولا وسطية تتكرر فيها بدعة “حزب الله” اللبناني هناك.
اما في لبنان حيث ركيزة ايران الصلبة بوجود “حزب الله”، فالتورط في الدماء السورية لن يتأخر في استهلاك جزء مهم من قوة الحزب البشرية. خلاصة القول ان ايران الداخلة مرحلة جديدة مع الغرب قد لا تقل عدوانية عما سبق. لذا وجب على العرب مواصلة المواجهة مهما كلف الامر.