لنبتعد اليوم قليلا عن “القرويات” اللبنانية من الرئاسيات الى الحكوميات ، فالنفايات وغيرها من القضايا حوّلت لبنان قرية صغيرة غارقة في الازقة المحلية ، فيما العالم في مكان آخر. ففي منتجع دافوس في سويسرا حيث مقر “المنتدى الاقتصادي العالمي” صورة مصغرة لما يفكر فيه العالم الاوسع ، والتوجهات التي تطغى على تفكير كبار قادة العالم في السياسة ، والاقتصاد ، والاسواق المالية ، والتكنولوجيا والثقافة الكونية. ولبنان على الرغم من حضور رئيس الحكومة تمام سلام غدا ندوتين ، الاولى عن تحديات الامن في الشرق الاوسط وشمال افريقيا ، والثانية عن تطوير مناخات الاعمال في الشرق الاوسط ، يبقى خارج اي تداول حقيقي يتناول واقعه المزري. حضور سلام ممتاز لكن لبنان يكاد يكون اشبه بـ “مزحة” هنا في الوقت الذي تطرح قضايا العالم والاقليم لا سيما بعد الاتفاق النووي الايراني الذي جعل من الوفد الايراني هنا في دافوس محط انظار اوساط الاعمال العالمية! حتى الازمة السورية التي تسببت بأكثر من ثلاثمئة الف قتيل تبحث هنا من زاوية اللاجئين لا من الزاوية السياسية. الحضور الايراني لافت هذا العام، ووزير الخارجية محمد جواد ظريف يصول ويجول في الاروقة “منفوخ الصدر”! اما الحضور العربي فضعيف ومشتت وشبه غائب عن الاهتمامات.
صحيح ان ظريف جاء الى المنتدى هذا العام ليحصد التصفيق على انجاز الاتفاق النووي، لكن حديثه عن الشأن الاقليمي لم يخرج عن اللغة الخشبية المعهودة ، وصولا الى تصريح مضحك قال فيه ان ايران لم تغزُ دولة جارة واحدة منذ اكثر من مئتين وخمسين عاما! وقد اغفل الحديث عن “مآثر” ايران في الجزر الاماراتية ، والبحرين ، والعراق ، وسوريا ، واليمن ، وغزة وصولا الى لبنان حيث اتى الغزو بالواسطة وبميليشيات طائفية ادارها ويديرها الحرس الثوري من طهران. فما الحاجة للغزو عندما تنشئ طهران ميليشيات طائفية محلية جاهزة لتأدية وظائف لحسابها؟ من هنا نسمع الامين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى يؤكد ان عودة ايران الى المجتمع الدولي جيدة اذا ما اقترنت بسلوك ايجابي يقطع مع سياسة “شرطي المنطقة” او “مصدّر الثورة” الى دول الجوار. لكنه يبدي تخوفا وقلقا كبيرا من كلام يصدر باستمرار عن مسؤولين ايرانيين يتبجحون فيه بسيطرتهم على عواصم عربية !!!
في مكان آخر لفتني حديث للبروفسور في العلاقات الدولية من جامعة طهران محمود ساريول غلام الذي يردد بقوة ان مشكلات ايران الاقتصادية دفعتها الى التفاوض على البرنامج النووي والى توقيع الاتفاق، واي حكومة اخرى كانت ستوقع . ويقول انه لو كان سعر برميل النفط مئة دولار حاليا لأجّلت طهران التوقيع وتهربت مرة جديدة . ويخلص للقول ان سعر عشرة دولارات متوقعة للبرميل امر جيد لانه يجبر دولا مثل ايران على نهج عقلاني في الداخل والخارج.
في مطلق الاحوال ، كل الانظار شاخصة الى ايرانين : ايران الداخل وكيفية تفاعلها مع الاتفاق ورفع العقوبات ، وايران الخارج وسلوكها في الاقليم من الآن فصاعدا!