المشهد اللبناني تجاوز السوريالية. سيارة المبادرة الفرنسية تعطلت، لكن الركاب لم ينزلوا منها. ليس لأنهم ينتظرون تصليح العطل وإكمال الطريق بل لأنهم لا يملكون حلولاً ولا يجيدون سوى التعطيل. رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لا يستطيع أن يجمع في قصر بعبدا الذين جمعهم الرئيس ايمانويل ماكرون في قصر الصنوبر للتفاهم على حكومة وبرنامج لإخراج لبنان من الحفرة. لا لأن الإنقسام قدر لا يرد بل لأن حسابات المنقسمين الشخصية والفئوية تطغى على حساب لبنان واللبنانيين.
ذلك ان حجة المماطلة في تأليف الحكومة الى ما بعد الانتخابات الأميركية سقطت. ومن السهل اختراع حجة جديدة. لكن من الصعب تغطية الحقيقة: الحكومة التي تطلبها “عامية لبنان ” والدول والمؤسسات المستعدة لمساعدتنا في إنقاذ البلد ليست ممكنة بسبب فيتو قوى نافذة خائفة على مصالحها. والحكومة التي تريدها المافيا السياسية والمالية والميليشيوية هي وصفة لاكتمال عزلة لبنان عربياً ودولياً وإكمال انهياره.
ولا أحد يقف على أرض صلبة في بلد ينهار، وإن بدا خداع القوة كأنه قوة. وكفى مهاترات وتفاهات وسجالات وعنتريات. أشياء على بعضنا بعضاً في الداخل. وأشياء على العواصم العربية والدولية التي نطلب مساعدتها في إنقاذنا وفي ترسيم الحدود البحرية. واذا كان ريتشارد هاس يقول “ان مشكلة أميركا مع دولتين قويتين هما ايران وكوريا الشمالية وثلاث دول ضعيفة هي لبنان والصومال واليمن”، فان علينا البحث في الوجه الآخر: مشكلة لبنان مع أميركا وإيران.
ونحن في ورطة عميقة. أميركا التي نحتاج اليها تعاقب “حزب الله” ومن يدعمه وتوسع دائرة الدول التي تحذو حذوها باعتباره “منظمة ارهابية”. و”حزب الله” هو من صلب التركيبة السياسية والاجتماعية، يتحكم بلبنان ويلعب فوق دوره العسكري فيه دوراً في حرب سوريا وصراعات المنطقة ومواجهة اميركا ضمن مشروع “محور الممانعة” بقيادة ايران. ومن الطبيعي أن يرد رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل على العقوبات الأميركية بتأكيد التحالف مع “حزب الله” والتصرف كرابح، بصرف النظر عن الخسارة. لكن من الصعب تجاهل السؤال عن كلفة هذه المواقف على لبنان. كيف ؟
ساعة الخيار تدق، لكنه خيار بالغ الكلفة: الذهاب الى النهاية في “محور الممانعة” ثمنه كبير جداً. والقطع مع “حزب الله “والمحور كلفته كبيرة ايضاً. والخيار الذي نتحدث عنه حتى في البيانات الوزارية وهو الابتعاد من “صراع المحاور” الإقليمية والدولية تقف امام ممارسته عقبات.
كان هارولد ماكميلان يقول: “الديبلوماسي الجيّد يتذكر دائماً أنه يجب أن ينسى”. لكن التركيبة السياسية اللبنانية تتصرف مثل آل البوربون الذين قيل إنهم “لم يتعلموا شيئاً ولم ينسوا شيئاً “.