النووي» يدور حول نقطة تقنية واحدة
يوم مفاوضات إيراني أميركي طويل بدأ باكراً، ولم يتوقف حتى ساعة متأخرة من الليل، وسباق إلى اتفاق قبل الوصول إلى عطلة «النوروز» الفارسية يوم السبت المقبل، ومغادرة الإيرانيين إلى عطلتهم واحتفالاتهم في طهران.
وتبدي الحصيلة الأولية للمفاوضات، تفاوتاً كبيراً في تقييم التقدم نحو توقيع الاتفاق، إيرانياً وأميركياً، وهو ما يعكس تفاوتاً ليس في المسافة المقطوعة نحو الخط النهائي لإبرام الاتفاق، ولكن في الخلاف أيضاً على ترتيب القضايا، التي تم بحثها والتوافق مبدئيا عليها.
فبينما يرى البيت الأبيض على لسان المتحدث باسمه جوش إرنست، أن المفاوضات وصلت إلى منتصف الطريق وأن «حظوظ توقيع الاتفاق تبلغ 50 في المئة» في النقطة الحالية التي بلغتها المفاوضات، قال علي أكبر صالحي رئيس وكالة الطاقة الذرية الإيرانية إن «ما تمّ التوافق عليه من القضايا يبلغ 90 في المئة، ولم يتبق سوى نقطة واحدة عالقة تقنياً، سنحاول حلّها بعد ظهر اليوم (أمس)».
وبحسب مصدر إيراني، تجاوزت النقاشات الخلافات حول منشآت نتانز وأراك وفوردو، التي أعلن الإيرانيون أكثر من مرة أنها ستبقى في صلب البرنامج النووي الإيراني. وجاء ردّ أميركي من لوزان ليعكس وجود رغبة بالحصول على اتفاق متكامل، يمكن لإدراة أوباما الدفاع عنه. إذ قال مسؤول أميركي إن الاتفاق يجب أن يشمل كل العناصر التي تؤلف البرنامج النووي الإيراني، وأن كل العناصر مهمة، مهما كان ترتيبها في البرنامج، من نوع الطاردات المركزية إلى عددها، فروابط السلاسل، لذا «ينبغي إقفال كل السبل التي تؤدي بالإيرانيين إلى القنبلة النووية، سواء في منشآت نتانز أو أراك أو فوردو».
وعَكَس الاقتراب من خط النهاية في السباق إلى الاتفاق قبل نهاية الأسبوع، تصاعد الضغوط، للخروج بنتيجة إيجابية، ما قاله مسؤول في الوفد الأميركي في لقاء مغلق، إنه «حتى لو كنا نعتقد أنه لا بد من اتخاذ قرارات صعبة، إلا أننا لا نريد من جهة أخرى التسرّع ولأن الهدف ليس الحصول على أي اتفاق وإنما الحصول على اتفاق جيد».
ودخل البيت الأبيض مجدداً على خط المفاوضات، وقال إرنست إن الرئيس باراك أوباما سيستخدم حق الفيتو لإبطال أي قرار من الكونغرس يلزم الرئيس بعرض الاتفاق النووي عليه مسبقاً قبل إبرامه.
ويأتي الرد الرئاسي الأميركي بعدما استفسر الوزير محمد جواد ظريف عن موقف أوباما العملي من الرسالة التي بعث بها الكونغرس إلى إيران، وهدد فيها بإلغاء الاتفاق مستقبلاً، وطالب ضمنياً في لوزان بالمزيد من الضمانات يمكن أن تضاف إلى تصديق مجلس الأمن على رفع العقوبات وتعطيل قدرة الكونغرس الأميركي والجمهوريين من الانقلاب عليه وعدم نقض أي اتفاق يطال آليات رفع العقوبات.
ويمكن إضافة وصول المفاوضين إلى بحث حق إيران في الخروج من الاتفاق، وآليات الخروج ومهلته، مؤشراً على دخول المفاوضات مرحلة حاسمة.
وقال مسؤول أميركي في لوزان، إن البحث يدور حول المهلة التي ينبغي أن تلتزم بها إيران، كي تعاود نشاطاتها السابقة على الاتفاق، منذ لحظة إعلامها الأطراف الأخرى عزمها التخلي عن التزاماتها.
ويحاول الأميركيون تقييد الإيرانيين بالمزيد من الالتزامات، بأطول مدة ممكنة، قبل أن يستعيدوا وتيرة برنامجهم النووي قبل الاتفاق، كي يتمكنوا من محاصرة أي توسع مستقبلي نووي أو استعادة للتخصيب السريع، وملاقاة أي تطورات إقليمية تسهم في تعزيز الموقع الإيراني، خصوصاً أن رفع العقوبات سيعزز قدرة طهران على التحول إلى لاعب إقليمي كبير، قادر على فرض شروطه في المنطقة.
ويعرض الأميركيون مهلة تقترب من 15 شهراً، وهي مدة طويلة في هذا النوع من الاتفاقات، لكنه يستجيب ضمنياً لضرورات أمنية إسرائيلية، التي تبقى هاجساً أميركياً، برغم الخلافات المعلنة مع إسرائيل.
وخلال ساعات، ينضم فريق مدراء خارجيات ألمانيا وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا إلى مفاوضات فندق «بوريفاج» السويسري. ولكن انضمام الخبراء من الخارجيات الأوروبية قد يظهر التباعد في حماسة المجموعة التي تفاوض إيران، واستمرار الخلاف داخل المجموعة، خصوصاً من الجانب الفرنسي، على هدف بلوغ الاتفاق قبل نهاية هذا الشهر، وربما قبل نهاية الأسبوع بسبب عطلة «النوروز» الفارسي. كما يظهر حرص الأميركيين على ضم الآخرين إلى العملية التفاوضية، عند بلوغها مرحلة صلبة.
وخلال المفاوضات، اكتشف الأميركيون والإيرانيون خطأ التقديرات التي قادتهم في المفاوضات السابقة، وعند تمديد العمل بالاتفاق المرحلي، إلى منح المفاوضات التقنية مدة أطول من المفاوضات على الإطار السياسي.
ففيما يكاد الإجماع بين المفاوضين يقع على اعتبار المسائل التقنية كعدد الطاردات أو خفض نسبة الانتاج وتعديل عمل أراك شبه محسومة، مع استمرار النقاش حول بعض النقاط، إلا أن المدة التي خصصت للنقاش فيها تمتد حتى نهاية حزيران، فيما كان التفاؤل كبيرا في حل المسائل السياسية، التي جعلت الاتفاق المرحلي نهاية آذار موعداً لإقفالها، وهو موعد لا يزال يصطدم بكيفيات رفع العقوبات عن إيران ومواعيدها، بالتزامن مع إبرام الاتفاق، أم لا، وهي العنصر الجوهري في كل هذه المفاوضات، بعدما تخطى جميع المفاوضين تقريباً، وخصوصاً الأميركيين، فكرة التعايش مع إيران نووية من الآن فصاعداً.