لم يكن الفريق قاسم سليماني قائد «الحرس الثوري» الإيراني حاضراً في الاجتماع الذي دعا اليه الرئيس باراك أوباما القادة العسكريين لـ 22 دولة غربية وعربية وشرق أوسطية لمناقشة الحملة على تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) وبحث أفضل الوسائل لمتابعة الحرب على هذا التنظيم وكسبها.
كان سليماني في ذلك الوقت يتابع المعركة على الارض في العراق حيث ينتشر عناصر «داعش»، فيما كانت طائرات دول التحالف المشاركة في الحرب تقصف مواقع التنظيم من الجو. بالمعنى الاستراتيجي لا يمكن ان يعني هذا سوى ان أميركا وإيران تخوضان اليوم معركة واحدة ضد عدو واحد، وان كانت الدولتان تخجلان، حتى الآن، من المجاهرة بذلك، لما له من انعكاسات سلبية على سمعة البلدين وصدقيتهما لدى حلفائهما في المنطقة.
مع ذلك، لم يعد الإعلام الإيراني يتردد في نشر صور سليماني، الذي كان يندر الاعلان في السابق عن وجوده في مواقع المعارك التي تديرها إيران وحلفاؤها، سواء في العراق او سورية او لبنان. هكذا ظهرت صور سليماني على شاشة التلفزيون الإيراني الى جانب المقاتلين الاكراد في شمال العراق، فيما كان أحد مستشاري المرشد علي خامنئي يؤكد ان وجود الجمهورية الاسلامية ودعمها هو الذي حال دون سقوط بغداد. «وبمساعدة الجمهورية الاسلامية وخبرتها ومشورتها تمكن الشعب العراقي من وقف تقدم «داعش». واضاف ان سليماني تعرض لخطر «الاستشهاد» ليضمن بقاء الحدود الايرانية مع العراق في أمان.
تقدّم «داعش» في مناطق شمال العراق بعد سقوط الموصل بصورة مفاجئة وسريعة في مطلع حزيران (يونيو) الماضي تحوّل الى ورقة في يد إيران. إذ فيما كانت الدول الاقليمية والغربية تتردد حيال التدخل وتبحث الخطط لمواجهة الانقلاب الجديد في موازين القوى على الارض، كان الايرانيون أول من وصل الى أرض المعركة لمساعدة قوات «البيشمركا» وحماية أربيل وسائر المناطق الكردية من تقدم «داعش». ويعترف اكراد العراق انه لولا هذا العون الإيراني لكانت أربيل اليوم هي كوباني العراقية.
في هذه الاثناء، توصل الإيرانيون الى صفقة مع ادارة باراك اوباما دفع ثمنها رئيس الحكومة السابق نوري المالكي، الذي تمّ تحميله مسؤولية فشل الجيش العراقي في حماية الموصل. اشترط اوباما لمساعدة العراقيين ان يتم إبعاد المالكي، لكن التدخل الاميركي الخجول ترك الساحة فارغة فملأها الايرانيون. ادركوا ان الفرصة سانحة للوقوف في الصف ذاته الى جانب الحرب الكونية ضد الارهاب، متمثلاً في تنظيم «داعش». طوى الايرانيون بذلك صفحة محاسبة المالكي، رجلهم السابق في بغداد، عن سياسته الخرقاء والطائفية التي سمحت بنمو هذا التنظيم الارهابي، وحوّلت الجيش العراقي الى ميليشيا يغلب عليها الطابع الشيعي، ما جعل قياداته تنسحب من مسؤولياتها في الدفاع عن محافظة نينوى باعتبارها «محافظة سنّية». وبدل ان تكون طهران في موقع المتّهم نتيجة نفوذها في بغداد ايام المالكي، تريد الآن ان يُنظر اليها على انها المنقذ للعراق من شرور «داعش»، وهو ما أكده رئيس «المجلس» الايراني علي لاريجاني بقوله انه لو لم تتدخل ايران في العراق لكان الوضع في هذا البلد قد خرج عن السيطرة بالكامل.
تنتقد ايران الحلف الدولي القائم اليوم ضد تنظيم «داعش». ويعتبره علي خامنئي محاولة أميركية لزيادة الهيمنة وتوسيع الوجود العسكري الاميركي في المنطقة. غير ان الحقيقة وراء هذا الستار الكثيف من الغبار ان الايرانيين، المسؤولين عن صنع «داعش» وعن نموّه، والذين تتحمل سياساتهم (من بغداد الى صنعاء مروراً بدمشق وبيروت) المسؤولية عن توفير البيئة الحاضنة له في أماكن وجوده، هم الذين يستثمرون اليوم الحرب على هذا التنظيم، ويضعون أنفسهم في موقع الحليف الضروري فيها.