IMLebanon

إيران ومنازلة العرب: كيف نصنع الانتصار

يقف المواطن العربي أمام سؤال محير: لماذا تحارب إيران العرب في عقر دارهم؟ ولماذا تمعن قتلاً بأولادهم٬ وتدمر بنيانهم وعمرانهم؟ لا شك أن منبع الحيرة هو المفارقة بين الصورة والواقع اللذين تتمثلهما إيران٬ في الصورة الظاهرة تقاتل إيران يومًيا الاستكبار العالمي وتقارع الصهيونية٬ بينما في الواقع تدمر بأسلحتها بلاد العرب٬ وتتسلل ميليشياتها الطائفية إلى النسيج الاجتماعي فتمزقه. وفي الصورة ترتفع حناجر الدعاة الإيرانيين بالوحدة٬ بينما في الواقع يفتتون المتماسك٬ ويشقون الجسد الواحد. هذه الصورة ونقيضتها أصبحتا علامة فارقة لم ينل شرفها بامتياز إلا الجمهورية الإسلامية الإيرانية. تحاول إيران الآن جمع ما لاُيجمع٬ وتفسير ما لاُيفسر؛ في اليمن تناضل من أجل ما تزعم أنه حرية الشعب اليمني٬ لكنها تتحالف مع الحاكم الذي استبد باليمن٬ وتذود في دمشق عن نظام بشار الأسد الذي شرد الملايين من شعبه٬ وقتل ما قتل٬ وتناصر في العراق حكومة طائفية تحظى بحماية الاستكبار العالمي.

المشاهُد٬ أمام هذه الحقائق٬ أن مؤيدي إيران من العرب في تناقص٬ وأن قلة منهم تؤمن حًقا بأن حكام طهران يقاتلون الاستكبار! لقد اتضح للجميع بعدما سقط القناع أن إيرانُتناِزُل العرب٬ لاستعبادهم٬ وربطهم مجدًدا٬ كما كانوا قبل الإسلام٬ بتاج كسرى. لكن الشعوب٬ كما علمنا التاريخ٬ هي القادرة على المجابهة والمنازلة.

أثبتت الشعوب العربية في العراق وسوريا واليمن أنها لنُتجَّر صاغرة إلى بيت الطاعة الإيراني٬ وأنها قادرة على الصمود والتضحية. لكن المنازلة مع إيران ليست سهلة٬ ولا يمكن قصرها على الشأن العسكري٬ بل يجب أن تطال بناء جبهة الداخل٬ والنظر في سياسة الخارج.

البادي للجميع أن الدولة القُْطِرَّية ليست معافاة٬ وأن التستر على معافاتها٬ سيزيد من سقمها وضعفها٬ المقصود بهذا الضعف أن لحمتها الداخلية غير صلبة لأن شرائح منها تتعاطف مع إيران ولربما دانت بالولاء لها. هذا الولاء لا يمكن مواجهته إلا بمزيد من تعميق انتماء المواطن إلى الدولة بمزيد من أدوات الترغيب والترهيب٬ فالترغيب هو بتعزيز المشاركة وتوضيح الرؤية٬ والترهيب بالضرب على من يخالف مصالح الوطن حتى ولو استدعى الأمر حرمانه من شرف الانتماء إليه. كما أن الهوية الوطنية القُْطرية بحاجة هي الأخرى لتعديل٬ أو لنقل تطوير٬ لكي تصبح أكثر إنسانية٬ وأبعد شمولية٬ فالدولة القطرية العربية٬ على عكس بقية دول العالم٬ هي انشطار عن الأصل٬ أي الدولة العربية أو الإسلامية الجامعة٬ وعليه فإن مشاعر وقلوب المواطنين في بقية الأقطار متناغمة ومتشاركة وتلتقي على أهداف مشتركة في المنشط والمكره٬ لهذا يجب تعميق صلات التعاون بين شعوب الدول العربية من خلال الدولة القطرية وليس عبر القفز عليها. ولعل تشريح الخطر الإيراني٬ وأساليبه٬ ومخططاته واستخدامه الدين٬ سيكون له أكبر الأثر في رص الصفوف وتحفيز روح المقاومة. علاوة على هذا لا بد للدولة القطرية أن توسع نطاق الحرية٬ وتعزز روح المغامرة٬ وتغرس حب المعرفة.

إن تعزيز الداخل٬ كما ذكرنا٬ يستدعي صوغ سياسة خارجية بما يناسبه٬ لأن السياسة الخارجية لا بد أن تكون مرآة للداخل٬ وإلا أصبحت عديمة الجدوى٬ وانقلب نفعها ضررا. لا بد من العمل لتكريس الاستقلال٬ وبالذات في القضايا المصيرية٬ الواجب أن ترتقي السياسة الخارجية وتحمل تطلعات شعبها٬ وألا يصبيها الوهن مهما كانت الصعاب. إن تكريس الاستقلال في السياسة الخارجية يتمحور حول بناء الذات عسكرًيا واقتصادًيا. وهذا الأمر على صعوبته ممكن تحقيقه ولو بالحد الأدنى. فالعلاقات الدولية هي الآن بعيدة عن القطبية وأقرب إلى التعددية٬ وبالتالي فإن الخيارات مفتوحة٬ ويمكن للدولة القطرية أن تنسج سياسة تعزز مكاسبها٬ وتزيد من فرص بناء الذات لتحقيق الاستقلال المطلوب.

إن تطبيق السياستين الداخلية والخارجية سيزيدان من صلابة المجابهة مع إيران٬ ويرى الناظر٬ إلى أرض اليمن٬ بوادر مشجعة بعد أن استطاعت الدولة القطرية المملكة العربية السعودية) أن تقرر المنازلة عسكرًيا٬ وتعمق وجودها اجتماًعيا٬ وُتعِّدد خياراتها وتحالفاتها السياسية. فاليوم نرى البحرين آمنة٬ والحوثيين في تراجع٬ وتشهد سوريا اهتماًما عربًيا أقوى٬ ولكي تنتصر المنازلة مع إيران٬ في هذه الجبهات وعلى امتداد العالم العربي٬ لا بد للدولة القطرية (المملكة وقطر وغيرهما) أنُتنِّشط سياستها تجاه بقية الأقطار العربية٬ وُترِّكز على فك التعقيدات الداخلية فيها٬ وبالتحديد في مصر التي تواجه أقصى أزمة اقتصادية وأمنية. إن مصر بحاجة لحلول جامعة٬ إن مصر هي أرض الكنانة٬ وواسطة العقد٬ ومن دونها تطول رحلة بناء الأمة.

واضح للعيان أن هجمة إيران على العالم العربي اعتراها الضعف٬ وأن إيران رغم الشعارات الطنانة أصبحتُمعَّراة أمام أعين الناس٬ ويعرف القاصي والداني في عالمنا العربي زيف الادعاءات والتلفيق الإيرانيين٬ وأن لا خيار سوى المنازلة وصناعة الانتصار