تحوّل “تكتيكي” في خياراتها للمسؤولين
يسألني رامي صغيري وهو يجالسني متصفّحاً الـ «تيك توك» صباحاً: «لماذا يا أبي نكره إسرائيل وإيران؟»، وابني الذي يتحضّر ليزيد على عمره إبهامَ يده اليُسرى بعدما أنهى أصابع اليد اليُمنى شقيٌّ كوالده. سألني مراراً فأجبتهُ في «نداء الوطن» ليقرأ حين يُصبح قادراً تاريخ الإجابة ومضمونها.
بين إيران وإسرائيل يا ولدي عشقٌ ممنوع! فالتاريخ لا يكذب، خصوصاً إذا مرّ عليه التاريخ، وليس كتاريخ لبنان الحديث المكتوب بحبر التراضي. بين اليهود والفرس علاقة وطيدة وبما أنّ زمن الميلاد يدنو من «روزنامتنا» «وأصل كلمة الروزنامة فارسي أُسقطت على المصطلحات العربية»، فالذين سجدوا لملك اليهود يسوع المسيح في مغارة بيت لحم حاملين الهدايا هم «المجوس» أي الفرس يوم لم يكن للمسيحية والإسلام وجود بعد. لكن يا ولدي يُمكنني أن أُخبرك عن سبب كرهنا لإسرائيل وهذا الكره مرتبط بالتاريخ والجغرافيا وبممارسات ضد الوجود وضد الإنسانية. يُمكنني أن أخبرك عن كره إسرائيل للبنان، وعن حلمها بجغرافيا إسرائيلية من النهر إلى البحر، وعن اغتيالها اللبنانيين علناً وبالسرّ، وعن تهديدها اليوميّ لوجودنا وعن ترغيب ضعيفي النفوس في التعامل معها ومن ثمّ التخلّي عنهم. أعرف يا صغيري أن إسرائيل لن تسعد لنجاح لبنان، فهذا الوطن الصغير يسرقُ منها السياحة والطبابة والجمال على أنواعه. لكنّني لم أفهم يوماً سبب العداوة مع إيران. البعض ينكرها لكنّها واضحة وضوح نتائج الحرب بين إسرائيل و «حزب اللّه»، وإذا كان لإسرائيل ألف سبب غير محقّ لتكره لبنان واللبنانيين، فلا سبب لإيران لتفعل الفعل نفسه منذ العام 1979 وحتى يومنا هذا.
45 عاماً من تدمير نهائية لبنان وضرب الكيان وتأليب الشيعة على السنّة وعلى المسيحيين والدروز، تحت شعارٍ ظاهرهُ تحرير فلسطين وباطنه تحقيق حلم الثورة الإسلامية في إيران بإمبراطورية فارسية شيعية، لبنان جزء من جغرافيتها. ولأن قبل عام 1979 لم تكن إيران إلا دولة صديقة فلنعتبر أن النظام الإيرانيّ بحد ذاته عدوّ للبنان واللبنانيين. فمن هي يا صغيري إيران قبل الإمام الخُميني ومن ستكون بعد الخامنئي. وهُنا يبرز الخلاف الإيرانيّ الإيرانيّ في الدولة العميقة في طهران!
اليوم وبعد صراعات إيران الطويلة مع الدول العربية والمنطقة، ترسّخت قناعة عند الممسكين بزمام القرار في الدولة العميقة بأن استمرار الحال على ما هو عليه سيقضي على الحُكم في إيران وبدأ التحوّل يظهر في الاختيارات الجديدة للمسؤولين وفي خطابات من يمسكون بزمام السياسة الخارجية. وإيران التي يتضوّر شعبها جوعاً هي أغنى دول المنطقة بالمقدّرات وباستطاعتها أن تكون أغنى من أغنى دولة في الخليج العربي. وبين الزعفران والفستق والسجاد والغاز والنفط ومواد أولوية كثيرة ونادرة كانت إيران وقد تعود إحدى أبرز الدول ليس في المنطقة فحسب بل في العالم.
لكن يا صغيري النظام الحاليّ سرقَ ثروات الإيرانيين ليموّل الإرهاب من اليمن إلى لبنان مروراً بالعراق وسوريا. عشرات مليارات الدولارات يُحرم منها الإيرانيون ليحقق الوليّ الفقيه حلمه بإمبراطورية فارسية على حساب الأطفال. هؤلاء الذين مَشوا على الألغام فاتحين طريق بغداد في يومٍ من الأيام. لهذا يا صغيري لست أدري كم من الوقت سيستغرق العداء مع إيران فقد يكون انبلاج الصبح قريباً، لكن حتماً ولو توقّفت الحرب مع إسرائيل لا تأمنها فهي لن تحبّنا وتسالمنا يوماً. أما بعد، فآمل أن تكبر يا بنيّ وتبني مع أترابِك وطناً يهابه جيرانه ويحترمه العالم فلا يُعاديه إلّا من غضبت عليه السماء!