إسرائيل تعمل على تطوير وحتى إحداث تغيير عميق في استراتيجيتها يتناسب مع التحولات العميقة في سوريا، لمواجهتها من دون الوقوع في مفاجآت تُعرّضها للأخطار. في أساس كل ذلك أن «الطاغية بشار الأسد» باقٍ، وإن كان قد أصبح «دمية» لكل من روسيا وإيران. وإذا كان التعامل الإيجابي إلى درجة التعاون العميق والممنهج مع موسكو قائماً بالنسبة لإسرائيل ويُنفّذ يومياً في سوريا بنجاح، فإن المشكلة تكمن في إيران.
إسرائيل التي تركت سوريا تتمزق حتى لم يعد وجودها يُشكّل مشكلة عسكرية مباشرة لها لعقود، وجدت نفسها مع نهاية العام ٢٠١٧ أمام مأزق جديد وجدي مستقبلاً. في قلب ذلك الوجود العسكري والسياسي الإيراني المُتمدد وصولاً إلى قلب القرار السياسي السوري. وفي تفاصيل هذا التمدد وأسبابه:
* تآكل النفوذ الأميركي منذ أوباما وحالياً مع دونالد ترامب.
* تآكل العالم العربي وتشتته وتحطمه.
* تمدد القوتين الإيرانية والتركية وصعودهما. وإذا كانت طموحات القوة التركية محكومة بجملة عوامل منها المذهبية وعدم إمكانها التدخل المباشر، فإن إيران استثمرت مذهبيتها وحولتها إلى سلاح قوة استشهادي لتنفيذ خططها من دون أن تضطر للانخراط في أي حرب مباشرة.
إيران تريد الكثير، إلى درجة أنها تتنافس مع روسيا وتتزاحم مع تركيا وتهدد إسرائيل يومياً بحرب صاروخية تُزيلها في دقائق. هذا «الخطر» ولو بقي «صوتياً» يزعج إسرائيل حتى وإن أمدها بكل وسائل الحماية والاستقواء الخارجي. بنيامين نتنياهو حدد ما العمل في وجه إيران وسوريا فأكد أنه «لن تسمح إسرائيل لإيران بالتموضع في سوريا، وستمنع تصنيع الأسلحة الدقيقة والفتاكة»، وأنها «تعتمد في ذلك على الاستخبارات والحرب السيبيريّة وتطوير سلاح الطيران المسيّر إلى جانب أنها تملك أقوى سلاح جوي في المنطقة».
رغم هذا التفوق، فإن إسرائيل قلقة فعلاً لأن الاستراتيجية الإيرانية تقوم على «التغيير الجوهري في معادلة الردع الإسرائيلية». إذ إن إيران عبر «حزب الله» وصواريخه ونشر إعداد ضخمة من الميليشيات في جنوب لبنان وشمالي سوريا قادرة على إلحاق الاذى بإسرائيل والإسرائيليين، حتى ولو دمرت البنى التحتية للبنان، ولم تنحصر الأضرار بالجنوب والضاحية وانقطعت المياه والكهرباء عن كل اللبنانيين. المهم أن إيران لن تتاثر، والحرب ستبقى بعيدة عنها، الأضرار والضحايا على غيرها، والمكاسب لها في أي مفاوضات لاحقة، خصوصاً أنها قادرة في ما بعد على التعامل مع الخسائر البعيدة.
هذا المأزق لن تتركه إسرائيل يتيماً من دون ردة فعل. الحل كما تعمل له إسرائيل، ويبدو أنها سربته لشريكها الأميركي ولحليفها الروسي، هو: «إذا تعرضت الجبهة الأهلية الداخلية الإسرائيلية إلى حرب صاروخية وستكون مكلفة بالتأكيد، فإنها ستقوم عبر طيرانها وسلاحها الصاروخي بتدمير البنية التحتية لتصدير النفط وصناعته» في إيران. هذه الكلفة الإيرانية المرتفعة والمباشرة قد تدفع القيادة الإيرانية للتفكير ملياً في عدم فتح الحدود اللبنانية إلى أكثر من الجولات السياحية لقيادات ميليشيوية شيعية.
عام ٢٠١٨ هو بلا شك عام الاختبارات المباشرة والمفتوحة أمام صياغة الحلول ووضع الحدود لكل الطموحات باسم الواقعية.. أو الاندفاع نحو الجنون وكسر كل الخطوط الحمراء.