عندما نتّهم كلبنانيّين حزب الله بتوريط لبنان في حروب ونزاعات تفرضها علينا «أجندته» وارتباطه بإيران، فإننا لا نلقي بهذه الاتهامات «جزافاً» في وجه الحزب وقيادته، فحربه على إسرائيل التي فجّرها في العام 2006 كانت مخطّطة لعمليّة تشمل تبادل الديبلوماسيين الإيرانيين الأربعة الذين ترفض إيران الاعتراف أو التصديق بموتهم قتلاً على يد إيلي حبيقة، وان توريطه للبنان في الحرب السوريّة وجرّه الإرهاب إلى الأراضي اللبنانيّة، وها هي إيران تقدّم مرّة جديدة دليلاً جديداً على اتخاذها من لبنان منصّة تفاوض منها العالم على رأس بشار الأسد وعلى حساب لبنان ودماء شعبه، وأيضاً على حساب دماء الشعب السوري!!
لم يفاجئنا أبداً إعلان حسين أمير عبداللهيان نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والإفريقية، بأن إيران أعلمت دول الغرب «أن إيران حذرت أميركا وسائر الدول المتحالفة معها من أن السعي لإسقاط نظام بشار الأسد، خلال المواجهة القائمة مع داعش، سيعرض أمن إسرائيل للخطر»، وليس سرّاً أبداً أن إيران عرضت على الغرب في هذه المرحلة «ذهاب بشّار مقابل بقاء النّظام»، وليس سرّاً أبداً أنّ العرض الإيراني هذا يجيء بعدما باتت إيران تعتقد أنّها أحكمت إطباق يدها على الدولة ومفاصلها الأمنيّة في سوريا، وأنها وحدها القادرة على الإحاطة ببشّار أو تصفيته ـ وهو أهون الضرريْن بالنسبة لها ـ متى ما تمّ إنجاز الصفقة على رأسه!!
وبعيداً عن «المناخ الشعبوي» وهو تقليدٌ إيراني ـ سوري «ممانعاتي»، من الضروري الالتفات إلى أنّ كلام عبداللهيان جاء عشيّة عودة إيران إلى طاولة التفاوض مع دول الـ5+1 وفي توقيت يُعتبر شبه نهائي إنْ لم تجدد هذه المجموعة تضييع الوقت بتمديد جديد لإيران في ظلّ أوضاع المنطقة البائسة، والعرض الإيراني جاء على لسان الوكيل نائب وزير الخارجية الإيراني، فيما يحضر الأصيل على طاولة المفاوضات، وهذه العروض ليست بجديدة على إيران، فهي تحاول التفاوض واللعب بكافّة أوراق زعزعة أمن المنطقة الممتدة من اليمن إلى البحرين إلى غزة وسوريا ولبنان والعراق و»هلمّ جراً» على طاولة المفاوضات، من هنا جاء ترجيحنا لأن ما ورد على لسان اللهيان عرضٌ ليس إلا…
سبق وتناولنا في هذا الهامش واحداً من أبرز الكتب التي صدرت عام 2007 تحت عنوان: «التحالف الغادر: التعاملات السريّة بين إسرائيل وإيران والولايات المتّحدة الأميركية» للكاتب «تريتا بارسي» أستاذ في العلاقات الدولية في جامعة «جون هوبكينز» [A Treacherous Alliance: The Secret Dealings Of Israel, Iran And The U.S.]
الكاتب Trita Parsi، منشورات Yale University Press تشرين الأول 2007، عدد الصفحات: 384 صفحة، الترميز الدولي ISBN-10: 0300120575]، والذي وثّق فيه لطبيعة العلاقات والاتصالات التي تجري بين «إسرائيل- إيران ? أميركا»، وكشف الكتاب انّ اجتماعات سرية كثيرة عقدت بين إيران وإسرائيل في عواصم أوروبية اقترح فيها الإيرانيون تحقيق المصالح المشتركة للبلدين من خلال سلة متكاملة تشكل صفقة كبيرة، تابع الطرفان الاجتماعات فيما بعد وكان منها اجتماع «مؤتمر أثينا» في العام 2003 والذي بدأ أكاديميا وتحول فيما إلى منبر للتفاوض بين الطرفين تحت غطاء كونه مؤتمراً أكاديمياً، وتضمّنت الوثيقة السريّة الإيرانية لعام 2003 ما يلي:1 ـ عرض إيران استخدام نفوذها في العراق لـ»تحقيق الأمن والاستقرار، إنشاء مؤسسات ديموقراطية، وحكومة غير دينية». 2- عرض إيران شفافية كاملة لتوفير الاطمئنان والتأكيد بأنّها لا تطوّر أسلحة دمار شامل، والالتزام بما تطلبه الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشكل كامل ومن دون قيود. 3 ـ عرض إيران إيقاف دعمها للمجموعات الفلسطينية المعارضة والضغط عليها لإيقاف عملياتها العنيفة ضدّ المدنيين الإسرائيليين داخل حدود إسرائيل العام 1967. 4 ـ إلتزام إيران بتحويل حزب الله اللبناني إلى حزب سياسي منخرط بشكل كامل في الإطار اللبناني. 5 ـ قبول إيران بإعلان المبادرة العربية التي طرحت في قمّة بيروت عام 2002، والتي تنص على إقامة دولتين والقبول بعلاقات طبيعية وسلام مع إسرائيل مقابل انسحاب إسرائيل إلى ما بعد حدود 1967. 6ـ استعداد إيران تقديم اعترافها بإسرائيل كدولة شرعية.
فهل من مستغرب بعد من تصريح حسين أمير عبداللهيان، سوريا، ورأس نظامها بشار الأسد باتا ورقة إيرانية بالكامل بفضل تخاذل الدولة العربية وعدم استخدامها لنفوذها لدى دول العالم لوقف المأساة السورية المستمرة!!