Site icon IMLebanon

إيران وخياراتها

زادت ايران زيادة ملموسة من تدخلها العسكري في سوريا، بالتوازي مع تحول الدور الروسي من دعم النظام الاسدي بالسلاح والمال والخبرات إلى تحمل العبء الأكبر من القتال المباشر الى جانبه او نيابة عنه : ضد الجيش الحر وفصائل المقاومة الأخرى. 

حسن التدخل العسكري الروسي وضع إيران الدولي، ومنحها خيارات كان يبدو أنها تبتعد عن امتلاكها بعد الاتفاق النووي مع اميركا، اهمها اليوم الاستقواء بروسيا لرد ضغوط واشنطن عنها، التي كان تصاعدها مرجحا، بسبب رغبة البيت الابيض وتل ابيب في وقف برنامجها الصاروخي، وتقليص دورها الإقليمي الحالي بمحمولاته المذهبية. بتدخل موسكو العسكري في سوريا، صار بوسع طهران تلمس موقف يتيح لها قدرا من التوازن في علاقاتها مع الجبارين، يشبه ما سبق لحافظ الاسد ان مارسه طيلة عقدين ونيف، ومكنه من اللجوء إلى اميركا لصد الضغوط الروسية، وإلى روسيا لرد الضغوط الأميركية. اليوم : وبسبب ضعف موقفها السياسي في سوريا، تجد موسكو نفسها مجبرة على قبول إيران كشريك يصعب التخلي عنه، لأن ذلك يمنح واشنطن الفرصة لدق اسفين بينهما، بينما تمس حاجة موسكو إلى قوة طهران البرية، التي تكمل جهودها الجوية والبحرية، العاجزة بمفردها عن احراز الانتصار المأمول، الذي يتوقف وضع بوتين وسياساته، ودور موسكو العالمي، على إحرازه، ما دام الفشل في بلوغه سيقوض ليس فقط مكانة الكرملين في الواقع الدولي الراهن، وإنما كذلك داخل روسيا. 

بالمقابل، تجد واشنطن نفسها أمام وضع جديد، يضيق التقارب الروسي/ الإيراني فيه قدرتها على المناورة، ولا يترك لها من خيار غير تعديل سياساتها حيال صراع السوريين السياسي والعسكري ضد الاسد وحلفائه الإيرانيين والروس. ومع ان كثافة التحرك الأميركي طلبا لحل سياسي توحي بأولويته بالنسبة لها، فإن ثمة إشارات إلى تبدل ما في سياساتها السورية، فرضه التعاون الروسي/ الإيراني المحارب، وما ترتب على سعيها لاحتوائه من خيارات بينها ميل اجباري إلى منافسة روسيا على خطب ود طهران، بما ان تحسين علاقاتها مع الكرملين سيكون عالي التكلفة، وسيجعل من الصعب عليها مواصلة سياساتها السورية، التي منحتها مكاسب مهمة خلال السنوات الاربع الماضية. بكلمات أخرى : لم تدخل روسيا عسكريا إلى سوريا كي تتكيف مع سياسات واهداف واشنطن، بل دخلت كي تنافسها عليها وتستعيد مواطئ قدم كانت للاتحاد السوفييتي السابق فيها، تعتقد إن تعاونها السوري مع إيران كفيل بمساعدتها على اعادة احتلالها، لما حققته من تغلغل في دول عربية عديدة. أما إيران، فإنها في وضع يسمح لأميركا بممارسة ضغط عليها اكبر من ذاك الذي تستطيع ممارسته على بوتين، بسبب اوضاعها الصعبة في سوريا واليمن، وحضور واشنطن العسكري القوي في العراق، وقدرتها على تخريب ما أرادت روسيا بناءه من تعاون اقليمي، نجحت بكبحه في العراق، وشرعت تتخذ تدابير عملية ضده في سوريا وتركيا والخليج، ومع إسرائيل، بهدف ابقاء خياراتها مفتوحة حيال الغزو الروسي ذاته، وتصعيدها عند اللزوم، وخلق بيئة تقنع إيران بابقاء علاقاتها مع روسيا محكومة بالبراغماتية، مقابل تلبية مصالحها ودعم ملاليها في سعيهم إلى المحافظة على دورهم الوازن بين افغانستان ولبنان. 

بقدر ما توثق ايران علاقاتها مع روسيا تزداد حاجة اميركا إلى فكها، وبقدر ما ترتبط بالسياسة الاميركية تتعاظم حاجة موسكو إليها، على عكس ما يعتقده قطاع واسع من متابعي الصراع الاقليمي والدولي في منطقتنا. ولعله من الجلي أن مصلحة إيران في التحالف مع روسيا هي اليوم اكبر من مصلحتها في التحالف مع واشنطن، رغم أنها لا تريد أن تربط نفسها بالكرملين إلى الحد الذي تنسى معه مشروعها الاقليمي، وتقبل أن تقاسمه مصيره المهدد في سوريا. كما أنها لن تنسى أن أميركا هي الدولة الوحيدة التي يمكن أن تضمن لها دورا استراتيجيا في المنطقة تقبله إسرائيل، يقوم على تقاسم وظيفي بينهما يكامل بفضله نفوذهما وتتعزز سيطرتهما على المشرق العربي وبعض بلدان الخليج، تفوق منافعه اي اتفاق مع بوتين يضع ملاليها في مواجهة اوباما ونتنياهو، تطيح ما تم فتحه من اقنية تواصل مع تل ابيب. 

هل تنجح أميركا في احتواء التعاون الروسي/ الإيراني؟. نعم، وبكل تأكيد، إذا ما كثفت دعمها للمقاومة السورية ونوعته، وامدتها بأسلحة تضعف قدرات روسيا وتقوض رغبتها في مواصلة تدخلها العسكري، وتقنع إيران أن قضية موسكو خاسرة، وأنه لا مصلحة لها في مشاطرتها الفشل، بينما تتوفر لها خيارات أميركية/ اسرائيلية مصحوبة بمزايا جدية، سيكون من الحمق تجاهلها من اجل تحالف زعزعت مقاومة السوريين ثقتها بنجاحه، طرفه الآخر دولة تتحدى طموحاتها قدراتها.