IMLebanon

عن إيران ومشروعها المُفترَض في سوريا !!

أصل الآن في إطار مقاربة الأهداف التي يتوخّى تحقيقها المشاركون في الحرب الدائرة في سوريا إلى الغاية التي يطلبها الإيرانيون، ولكن لا بُدّ لي في البدء من توضيح نقطة هامّة في السيرورة التي أتّبعها في محاولة استخراج ما أعتقد أنّه حقائق، مع الاعتراف طبعاً بأنّ احتمالية الخطأ واردة. فأنا بخلاف «مُفكّري وسائل الإعلام» الخليجية، لا أستطيع على سبيل المثال، البحث في مسألة تخصّ المقاومة التي يقودها حزب الله في لبنان من دون الرجوع إلى أسباب تفجّر الأزمة اللبنانية؛ هزيمة حزيران 1967، هزيمة الحركة الوطنية الفلسطينية في الأردن، في أيلول الأسود 1970، حرب تشرين 1973 وسقوط الحاكم أو بالأحرى السلطان العربي، حرب السنتين في لبنان 1975 ـ 1976، الحركة الوطنية اللبنانية في دور كبش المحرقة. الاستقواء بالمستعمرين الإسرائيليين وجهة نظر. الغزو الإسرائيلي للبنان. الاحتلال الإسرائيلي. اختبأت الدولة أثناء الغزو ومقاومة الاحتلال، ولكنها كانت تُطلّ برأسها في المناسبات، انتخابات الرئيس في ظل الدبابات الإسرائيلية، اتفاقية تطبيع العلاقات بين لبنان وإسرائيل في 17 أيار 1983 «المُلغاة».

من البديهي أنّي لا أعرف جميع المحطات التي مرّت بها الحركة الوطنية الإيرانية قبل الثورة الإسلامية، ولكنّي حفظت أنّ المخابرات الأميركية والبريطانية ساهمتا في الانقلاب الذي أطاح سنة 1953 حكومة محمد مصدق، وأنّ الإيرانيين في غالبيتهم كانوا غير راضين عن سياسة الشاه، أو قل إنّ حكم الشاه بدا متناقضاً مع تطلّعات الإيرانيين ووعيهم السياسي ومستواهم الثقافي والعلمي. نجم عن ذلك أنّ المجتمع الإيراني راح ينزلق نحو مأزق خانق، وأنّ الثورة الإسلامية أخرجته منه، علماً أنّ البعض يقول إنّها أدخلت المجتمع في مآزق آخر، ولكن هذا موضوع آخر!

مأ أود قوله هو أنّك لا تستطيع تناول السياسة الإيرانية في المنطقة العربية، وأن تحاول استكشاف مقاصدها، من دون أن تأخذ بعين الاعتبار، أنّ الثورة الإيرانية جعلت إيران في مواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية وأذيالها في أوروبا. تجسّد ذلك بظاهرتين كبيرتين: أولاً، قطع العلاقات الدبلوماسية بين إيران وبين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل. ثانياً، تعرّض إيران لحرب دموية ـ مدمّرة، عربية ـ أميركية أوروبية، كان رأس حربتها العراق، دامت من 1980 إلى 1988، استُهلك العراق بنتيجتها حتى الرمق الأخير.

من البديهي، استناداً إليه، أن يكون هاجس المسؤولين الإيرانيين هو الخوف من حرب أخرى تشنّها ضدّ بلادهم الإمبريالية الأميركية ـ الأوروبية، وأعوانها وأتباعها في بلاد العرب. يحسن التوضيح هنا بأنّي استقرئ الغايات، ولست في وضع الذين يعرفون ويتوكّلون التبليغ. وبالتالي فمن المرجّح، كما لمّحت في مقالة سابقة، أن يكون الإيرانيون قد نصبوا ما هو بمقدور عليه من أنواع الشِّباك العسكرية من أجل ثني الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل والتحالف العربي «ضدّ الهلال الشيعي» عن مهاجمتهم كما حدث سنة 1980. لماذا ظهر فجأة هذا «الهلال الشيعي»؟ ماذا يعني أن تكون مسلماً من أتباع «المذهب الشيعي»، أين المشكلة؟ هل طرأت هذه المشكلة حديثاً؟ هل يعقل أن نُوقد اليوم نار منازعة تعود إلى سنة 680؟ لمصلحة من؟

من المحتمل، بل من المنطقي أيضاً، أن يحاول الإيرانيون بشتّى السبل والوسائل إضعاف شعبية الحكومات العربية التابعة للولايات المتحدة الأميركية، وهي نفسها التي عقدت اتفاقية «تطبيع» مع دولة المستعمرين الإسرائيليين، حتى لا تندفع هذه الحكومات إلى مغامرة جديدة ضدّ ايران، كما فعلت سنة 1980.

ليس من حاجةٍ لأن تكون شيعياً أو سنّياً، حتى تـُشهّر بهذه الحكومات العربية التي تُقايض حماية المستعمرين لها، بمصالح الشعوب التي ترزخ تحت نير استبدادها، بالتنازل عن التراب الوطني وبرهن المستقبل!

لا أجد غضاصة في أن يطرح الإيرانيون قراءة للنص الديني لا تفرق، من وجهة نظرهم، بما هم إسلاميون، بين المسلمين على اختلاف مذاهبهم وطرقهم، وتحضّهم على التعاون والتضامن في وجه أعدائهم.

أين الخطأ؟ كما تساءل الشيخ عبد الله العلايلي في كتابه «أين الخطأ»، كم أتمنّى لو نرجع إلى هذا الكتاب في هذا الزمان الذي سمحنا فيه لمشايخ النفط تملّقاً وتزلّفاً، أن يُكدّروا عيشنا، أين الخطأ في قول الإيرانيين أنّ التصدّي للاعتداءات الإسرائيلية هو مسألة إسلامية. أنّ القضية الفلسطينية هي مسألة إسلامية، وأنّ الإسلام لا يُجيز التطبيع مع المستعمرين الإسرائيليين، والرقص مع المستعمرين الأميركيين والأوروبيين!

خلاصة القول، إنّ الإيرانيين عندما يدعمون المقاومين الفلسطينيين واللبنانيين ضدّ الاعتداءات الإسرائيلية، هم منسجمون مع عقيدتهم ومع سياستهم. هذا مُعطى ليس له لون مذهبي شيعي أو سنّي، وإنّما هو محصلة عقيدة تعتبر أنّ الإسرائيليين اغتصبوا أرضاً ليست لهم، وارتهنوا أماكن دينية هي محاجّ للمسلمين. وطبيعي، استطراداً، أن يهبّ الإيرانيون للدفاع عن سوريا، فدولتها حليفة لدولتهم، فضلاً عن انها الدولة العربية المشرقية الوحيدة التي لم تطبع بعد علاقاتها بدولة المستعمرين، بالإضافة إلى أنّها، كمثل إيران، تقدّم الدعم للمقاومين الفلسطينيين واللبنانيين. هذه بحسب رأيي المتواضع مسألة منطقية، لا سنّية ولا شيعية، كما تزعم الدعاية الوهابية على لسان «مفكّري المعارضة السورية» ومثقفي وسائل الإعلام القطرية والسعودية!ش