منذ أن بادر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى مدّ يد المساعدة للبنان، جاءه الرفض والتصنيف من الطرف الذي يُمسك بقرار البلد. وهذا الطرف هو من دون لفٍّ ودوران القيادة الايرانية.
وليس في إعلان هذه الحقيقة أيّ انتقاص من دور الأطراف المحليين، فهؤلاء، وهم من يُمسك بالقرار على الأرض، يلتزمون بالقرار الإيراني، وهذه ليست تُهمة بقدر ما هي بالنسبة اليهم مفخرة. هذا هو دور”حزب الله”، وهذه هي أَدوار حلفائه.
كان جوهر المبادرة الفرنسية عقب تفجير المرفأ، قيام حكومة اختصاصيين مدعومة من كافة القوى السياسية، تعمل على تنفيذ برنامج إصلاحي، إضافة الى الإعتناء بمنكوبي التفجير وإعادة إعمار بيروت.
لم يكن مطروحاً أيّ مبادرة أخرى غير الفرنسية. وحتى الآن لم يتنطّح أحد للقول هذا برنامجي للإنقاذ. صحيح أنّ أفكاراً ونقاطاً عدّة طرحت في سياق انتفاضة 17 تشرين، من هيئات في المجتمع المدني وأحزاب سياسية مشاركة في الحركة الشعبية، الا أنّ الانتفاضة نفسها لم تتقدّم الى مستوى انتزاع القرار وفرض الرؤية البديلة، وبقيت القوى التقليدية الممسوكة جيداً من الحرس الايراني صاحبة الحلّ والربط.
قبل تكليف سعد الحريري بشهرٍ وبضعة أيام، كان الإيرانيون أعلنوا رفضهم للصيغة الفرنسية، فسقطت محاولة مصطفى أديب، ومع تكليف الحريري على قاعدة الصيغة نفسها ستكون موافقتهم عجيبة العالم الثامنة، الا أنّ ذلك لم يحصل كما هو واضحٌ للعيان.
فمنذ البداية، رأى الإيرانيون في التحرّك الفرنسي مؤامرة. كتبت صحيفتهم “خراسان” في 25 أيلول تحت عنوان “مخطّط ماكرون لتجريد “حزب الله” من السلاح” أنّ “وراء ضغوط ماكرون وتهديداته بشأن تشكيل حكومة لبنانية بوصفة غربية، هدفاً يتمثّل بتجريد “حزب الله” من السلاح”. واستطردت تقول “نعم فرنسا والولايات المتّحدة تتحدّثان عن ضرورة إجراء إصلاحات جذرية في لبنان عبر تشكيل حكومة تكنوقراط، وتربطان ذلك بتقديم المساعدات والقروض له، ولكنّ وراء كلّ هذا الكلام هدفاً يرتبط بإعادة الهيمنة الغربية على لبنان لمصلحة الكيان الصهيوني عبر تجريد “حزب الله” من السلاح…”.
شقيقة “خراسان”، صحيفة “جوان” استفاضت في شرح الفكرة. قالت: “تتحرّك اميركا وفرنسا لإيجاد هيكلية جديدة لنظام الحكم في لبنان تنسجم مع الرؤية والنيات والمصالح الغربية، وفرنسا هي التي تقود هذا التحرّك بإشراف أميركا… لدفع الأمور باتجاه تشكيل حكومة لبنانية جديدة على أساس وصفة تتلخّص بعزل وتهميش قوى المقاومة بحجّة تشكيل حكومة خبراء محايدة… وهذا التركيز الفرنسي ـ الأميركي لا يرتبط بالحرص على مصالح لبنان ومستقبله”.
يتّضح من السياق أنّ الإيرانيين يرفضون جملة وتفصيلاً المبادرة الفرنسية ومشروع الحكومة المستقلّة، ورفضهم ليس وليد الساعة، ويعود الى ما قبل تكليف الحريري. وبديهي ألّا يخرج حلفاء وأتباع ايران في لبنان عن هذا الرفض، أما بدائلهم المتاحة فأحدها ما اقترحته القيادة الايرانية من حلفٍ، سمّاه الخصوم الـ”ناتو الشيعي”، الذي سيضمّ بقيادة ايران ولأجلها، كافة أطراف مِحور الممانعة دولاً وأحزاباً … وربّما حركاتٍ وتيارات.