أمام القيادة الإيرانية ثمانية أيام صعبة جداً، يجب أن تمر بسلام، حتى لا تنزلق «العربة الإيرانية» بـ«الجدار الترامبي»، في وقت كانت تأمل هذه القيادة أن تكون فترة الاحتفالات بذكرى الثورة الإسلامية، أياماً ملؤها الزهو بالنجاح والانتصار. فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية، وتنفيذه لوعوده الانتخابية بأسرع من الصوت، رغم عدم توقع حصول ذلك قبل فترة السماح، عطّل عملياً فرح الاحتفالات بالذكرى، وأجبر القيادة الإيرانية على الانخراط في حملة حيث الحرج فيها كبير جداً. ذلك لأن هذه القيادة لا تريد أن تُظهر ضعفاً أمام الجماهير الإيرانية المتحفّزة لمعرفة هل عليها أن تستعد لمواجهة وضع اقتصادي جديد أصعب من أيام المقاطعة والحصار، أم أن بلادهم ستتابع توجّهها نحو الخروج منها نحو حالة من الاعتدال والانفتاح المدروس ينتجان نمواً اقتصادياً وعدت فيه منذ انطلاقة الثورة ولم يتحقق منه الكثير سوى في المجال العسكري كما حصل تاريخياً مع الاتحاد السوفياتي، حيث كان الإنفاق على سلاح الصواريخ أضخم بكثير من الإنفاق على الرغيف وباقي الحاجات الشعبية اليومية الملحّة.. والباقي معروف!
عندما أطلق قادة «الحرس الثوري» الصاروخ الباليستي كانوا يريدون من ذلك توجيه «رسالة» إلى الداخل بإن إيران قوية «ولا تأخذ إذناً من أحد»، و«رسالة» خارجية لمعرفة ردود فعل الرئيس الجديد دونالد ترامب ومدى تضامن أوروبا معه ضدّها. الجنرال صفوي المستشار العسكري للمرشد آية الله علي خامنئي استبق ردّ فعل واشنطن فذكّرها مع توقيعه على الاعتراف بالخطر أن واشنطن يمكنها أن تخلق المقاطعة (إذا وقعت من جديد) مشاكل للبلاد لكن ذلك لن يثني الشعب، وما ذلك إلا لأن الجمهورية تحوّلت إلى قوة كبرى في المنطقة«، والعنوان في ذلك واضح»ان واشنطن تحتاجنا أيضاً«.
الأميرال علي شمخاني رئيس مجلس الأمن القومي صعّد فحمل تصريحه التهديد في معرض»التزام بلاده بالتعايش السلمي مع الجوار«إذ قال:»لولا التصدّي (أي إيران) لظاهرة الإرهاب التي أخذت بالتوسّع الهمجي لكانت المنطقة كلها معرّضة لأزمة أمنية«. بكلام آخر»حاصرونا ننكفئ ولتشتعل المنطقة ومعها العالم بالإرهاب«. لكن حتى هذا»التهديد«فإنه يحمل عرضاً ضمنياً بالاستعداد للتعاون لضرب الإرهاب.
هذه»الرسائل«تتضمن كل واحدة أكثر من«رسالة»وموجهة إلى أكثر من عنوان. من الواضح أن طهران تستشعر الخطر من الرئيس ترامب. إيران توسّعت كثيراً في السنوات الاوبامية الأربع الأخيرة. وهي مطمئنة إلىة«التعامل الأوبامي»الإيجابي معها، خصوصاً وكما يتبين اليوم ان لوبي العلاقات الأميركية – الإيرانية كان فاعلاً ومؤثراً إلى درجة اختراقها«البيت الأبيض»عبر اتصالات مباشرة مع المساعدين. هذا النجاح وتوقع فوز هيلاري كلينتون بالرئاسة، جعل القيادة الإيرانية تتغاضى عن احتمال حصول أي تغيير أو انقلاب في المواقف. فلم تحسب هذه القيادة وقوع«انقلاب»ولم تستعد له. لذلك جاءت نتائج فوز المرشح ترامب انقلابية وتحت فضاء خال من أي حماية.
إيران كانت قد«وسّعت»حدودها السياسة من لبنان وسوريا إلى العراق واليمن. لذلك المواجهة مع»الإدارة الترامبية «لها وقع الزلازل العميقة التي تتطلب سياسة جديدة عمادها الانكفاء السريع دون ظهور أي «هزيمة»، أو القفز نحو المواجهة مع«عدو»مثل ترامب يفتقد الديبلوماسية ويرغب بالصدام حتى يعطي«درساً استباقياً»لأي قوة أخرى سواء معارضة له عسكرياً مثل كوريا الشمالية أو اقتصادية مثل الصين وغيرها.
إيران تدرك وتعرف ان فترة المواجهة ليست محدودة ولا محصورة بالأيام الثمانية القادمة، بل هي طويلة قد تصل إلى فترة رئاسية من أربع سنوات. لذلك تسارع اليوم إلى طلب المصالحة والتفاهم مع الجوار العربي الاقليمي. نجاح أي مبادرة يتطلب أفعالاً وليس مجرد«رسائل»ديبلوماسية، والأهم تقديم«تنازلات مؤلمة»بعد مرحلة مليئة بالاستقواء غير الطبيعي والمنتج لأحقاد لا تُزال بسهولة.
الوزير«الظريف»جواد ظريف قال انه «يريد حلاً في سوريا على غرار الحل في لبنان الذي أنتجه التفاهم السعودي ــــ الإيراني. بداية الحل في لبنان لم يكتمل بعد إذ يتطلب تعاوناً إيرانياً أعمق يتجلى في دفع«حزب الله»نحو تدعيم المصالحة الكاملة، خصوصاً أن الاطراف الأخرى مستعدة لملاقاته تحت علم الدولة وسيادتها. المصالحة الإيرانية – العربية يجب أن تحصل خارج أسر التحصن من الخوف أو القلق من المواجهة مع«الإدارة الترامبية»فقط، وإنما أيضاً أن تكون طويلة الأجل وحتى دائمة من أجل حماية المنطقة من الأخطار الحاصلة والمحدقة بها وأخطرها«الحروب المذهبية»التي تدعم في عمقها تضخم الخطر الإرهابي«الداعشي».
القول بأن إسرائيل موجودة في إدارة ترامب وحقدها غير مخفي لا يكفي. هذا الوجود الخطر هو الذي جعل الكثير من العرب يدعمون الثورة في إيران على قاعدة تخليها عن دورها كـ«شرطي»للمنطقة لمحاربة إسرائيل، فإذا بالحروب والخلافات المذهبية تُحول هذه الثورة إلى خطر مصيري على العديد من الدول العربية. لذلك كله فإن عودة إيران إلى»الينابيع الأولى للثورة«هو الذي يسقط جدران الخوف والأحقاد ويفتح فضاءات الحوار والتفاهم والسلام لمنطقة تعاني»الأوبئة الداخلية «ما يزيد بأضعاف على حجم»الوباء الترامبي».