Site icon IMLebanon

ايران والاستسلام  

 

لا تزال في لبنان أماكن يمكن التنفس فيها. انّها أماكن تفسح في المجال لحوارات في العمق في شأن ما يدور حاليا من احداث خطيرة في المنطقة. احد هذه الاماكن «بيت المستقبل» في بكفيا، وهو مركز أبحاث انشأه الرئيس امين الجميّل الذي لا يزال قادرا على الجمع بين الأفكار والآراء المختلفة من دون التخلي عن مسلماته التي دافع عنها في ثلاثة عشر لقاء مع حافظ الأسد عندما كان رئيسا للجمهورية بين 1982  و 1988.

 

كان آخر نشاط لـ»بيت المستقبل» الذي يديره الزميل سام منسّى ندوة عن السيناريوات المختلفة للحروب التي يمكن ان تقع في المنطقة. نظّم الندوة «بيت المستقبل» بالتعاون مع «مؤسسة كونراد اديناور» الألمانية، وهي مؤسسة غير حكومية.

 

كان واضحا من خلال النقاشات التي شهدتها الندوة التي تولّى فيها اشخاص معينون التعبير عن وجهات النظر المختلفة، بما في ذلك وجهة النظر الإسرائيلية التي عبّر عنها شخص أوروبي تقمّص دور الإسرائيلي، ان الاتجاه العام هو الى رغبة أميركية في تفادي الحرب المباشرة مع ايران. اللهمّ الّا اذا تقصدت ايران مهاجمة جنود اميركيين في المنطقة بما يجعل الرئيس دونالد ترامب مجبرا على الردّ عسكريا بدل الاكتفاء بالعقوبات.

 

مهدت للندوة ورقة عامة عن الوضع في منطقة الخليج العربي وبحر عُمان خلال الأشهر الثلاثة الماضية التي شهدت «تطورات دراماتيكية متسارعة ادّت الى تأزّم الاوضاع وتصعيدها الى مستويات غير مسبوقة».

 

تحدثت الورقة التي تلاها امين الجميّل عن ثلاثة سيناريوات تجد المنطقة نفسها امامها. هذه السيناريوات هي «الحرب او اتفاق سلام او استمرار الازمة وانسداد افق الحل».

 

يقول السيناريو الاوّل: « تدهور الوضع الأمني في مضيق هرمز. تنفذ ايران هجوما يستهدف احد المواقع الاميركية يتسبب في خسائر بالارواح ما يدفع الولايات المتحدة الى ضربة انتقامية للقواعد العسكرية الايرانية. فترد ايران بهجوم ساحق وواسع النطاق بما يؤدي الى اندلاع حرب إقليمية. كيف سيكون ردّ كل من اللاعبين الإقليميين والدوليين وما هي العواقب المحتملة لهذا السيناريو في حال حدوثه»؟

 

يقول السيناريو الثاني: «تنجح الديبلوماسية الخلفية، أي ديبلوماسية الكواليس، في تحقيق تقدّم واختراق كبيرين يمهدان الطريق للتوصل الى اتفاق جديد بين الولايات المتحدة وايران يشمل سائر الدول التي وقعت سابقا على خطة العمل المشتركة (الاتفاق في شأن الملف النووي الايراني). كيف سيكون رد فعل كل اللاعبين الإقليميين والدوليين وما هي العواقب المحتملة لمثل هذا السيناريو في حال حدوثه؟»

 

يقول السيناريو الثالث: «تدهورت العلاقات بين اسرائيل وجيرانها لبنان، سوريا والعراق فيتحول لبنان الى ساحة معركة وقد يتوسع القتال الى مناطق اخرى في المنطقة، فكيف سيكون رد كل من اللاعبين الإقليميين والدوليين وما هي العواقب المحتملة والأكثر رجحانا؟ يشير السيناريو الثالث ايضا الى «انّ لبنان يبقى قاعدة رئيسية لإيران وحزب الله ما يسمح لهما بالقيام بعمليات من لبنان دون ان يستدعي ذلك تدخلا من الدول الكبرى».

 

لا بدّ من الاعتراف انّ ما شهدته الندوة كشف قدرة لدى الشخص الذي مثّل ايران على الدفاع عن وجهة نظرها بطريقة ذكيّة توحي بان ايران هي الطرف المظلوم الذي يتعرّض لعدوان. أشار هذا الشخص الى ان ايران لا تنوي الاعتداء على احد، لكنّها ستدافع عن نفسها. تطرّق من كان يروج لوجهة النظر الايرانية الى «النزعة الاستقلالية لدى الشعب الايراني» والى ان «هذه النزعة هي المستهدفة». تساءل «هل الدكتور مصدّق (رئيس الوزراء الايراني الذي امّم النفط في خمسينات القرن الماضي) كان يمتلك منظومة صاروخية او مشروعا نووية». وشدّد على ان هذه النزعة الاستقلالية «مهمّة جدّا عند الايرانيين» وعلى انّ «الايرانيين اثبتوا انّهم ليسوا معتدين وانّ الوضع الداخلي متماسك في حال حصول عدوان اجنبي».

 

شدّد أيضا، في اعتراف واضح بانّ العقوبات الاميركية الحقت اذى كبيرا بايران، على انّ «الايرانيين لن يقفوا مكتوفين امام الموت البطيء الذي تريده اميركا وإسرائيل لإيران، فما يحصل ضدّ الشعب الايراني هو موضوع الموت البطيء. هذه حرب إرهابية».

 

اكّد الشخص الذي عرض وجهة نظر «حزب الله» على ان الردّ على ما تتعرّض له ايران سيشمل كلّ المنطقة بوجود نحو 150 الف مقاتل حليف لإيران فيها، فهذا «المحور المقاوم موجود في كلّ المنطقة بقوّة وسيدافع عن كيانه ورموزه». دافع الذي يمثل «حزب الله» بذكاء عن موقفه مشيرا الى وجود «غرفة عمليات موحدة للمحور».

 

لم يكن لدى الذين عرضوا وجهات النظر الاميركية والأوروبية والاسرائيلية الكثير يقولونه باستثناء ان احتمال الحرب يظل واردا في حال تجاوزت ايران خطوطا معيّنة، لكنّ الملفت انّه كان هناك شبه تجاهل لوجود حرب قائمة. فما الذي  يمكن قوله عن الوجود الايراني في سوريا ولبنان والعراق واليمن غير ان هناك حربا تشنها ايران على كلّ ما هو عربي في المنطقة. لم يوجد من يسأل ما الذي تفعله الميليشيات الايرانية في لبنان وسوريا والعراق واليمن وحتّى في البحرين.

 

ثمّة حاجة حقيقية الى استكمال مثل هذا النوع من الندوات عن طريق وجود عربي يطرح أسئلة من نوع من الأقوى في لبنان؟ الدولة اللبنانية او دويلة «حزب الله»، الذي يمثّل ايران؟

 

لا شكّ ان ايران تستطيع الدفاع عن نفسها والترويج لمشروعها التوسّعي عبر لغة التجاهل. تتجاهل ايران، اوّل ما تتجاهله، الدور الذي تلعبه في الحرب على الشعب السوري  وذلك منذ اليوم الاول لاندلاع الثورة في هذا البلد الذي لم يعد يتحمّل الظلم والقهر على يد نظام اقلّوي قبل ان يكون الجولان إسرائيليا من اجل التفرّغ، بدعم إيراني، لشنّ حربه على شعب يبحث عن بعض من كرامة.

 

في نهاية المطاف، يبقى انّ الردّ الوحيد على وجهة النظر الايرانية القائلة ان «ثمن الحرب اقلّ من ثمن الاستسلام» يتمثّل في سؤال مقتضب وفي غاية البساطة: هل عودة ايران دولة عادية وطبيعية تهتمّ بشؤون شعبها ورفاهه استسلام… ام الاستسلام هو متابعة السير في مشروع توسّعي يقوم أساسا على الاستثمار في اثارة الغرائز المذهبية، فيما يعيش نصف الشعب الايراني تحت خطّ الفقر؟

 

ليست هناك دولة عربية او غير عربية تريد لإيران الاستسلام. كلّ المطلوب هو تخلّي ايران عن اوهامها التي هي الطريق الأقصر الى الهدم والتدمير. هذا لا يقتصر على الهدم والتدمير في ايران وحدها، بل في كلّ مكان تسرح فيه الميليشيات المذهبية التابعة لـ»الحرس الثوري» الايراني وتمرح. تكفي الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري للتأكّد من ذلك… ام ان لا قيمة للشعوب العربية لدى «الجمهورية الإسلامية»؟