IMLebanon

رسائل إقليمية: إيران شيء والأسد شيء آخر

 

في آذار 2022، سيصل لبنان إلى استحقاق نيابي حسّاس، سيجري تعليبُه أو تعطيلُه، فيما تبلغ الدولة والمؤسسات درجاتِ اهتراءٍ كارثية، وسط حصارٍ عربي خانق، على خلفية أنّ لبنان حليف لإيران. في تلك اللحظة، آذار 2022 أيضاً، سيعقد العرب قمّتهم في الجزائر، ويعيدون الرئيس بشّار الأسد- المفترض أنّه حليف أساسي لإيران- إلى أحضانهم رسمياً. فهل تدرك منظومة السلطة في لبنان حجم الخطر المتأتّي من هذا المشهد؟

في الأيام القليلة الفائتة، كان لبنان يمعن في تحدّي المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وسائر المنظومة الخليجية، إكراماً لإيران، على خلفية «أزمة قرداحي».

 

ولكن، من مفارقات الأقدار أنّ الأسد نفسه، كان في هذه الأثناء يدشِّن خطوات تاريخية نحو تطبيع العلاقات مع الإمارات بالتأكيد، ومع السعودية على الأرجح. وللمفارقة، قرداحي هو مِن أكثر المتحمّسين للأسد، ورئيس تياره السياسي الوزير السابق سليمان فرنجية هو الحليف- الرمز التاريخي للأسد. فمن يفكّ هذا اللغز و»يربح المليون»؟

 

على الخط الإماراتي، تقدَّم الإماراتيون خطوة جديدة، وقام وزير خارجيتهم عبدالله بن زايد بزيارة دمشق حيث التقى الأسد. والزيارة هي الأولى من نوعها منذ اندلاع الحرب في سوريا قبل 10 سنوات. وقد أعقبت خطوتين: اتصال بين ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد والأسد قبل 3 أشهر، وعودة السفارة الإماراتية إلى دمشق قبل 3 سنوات.

 

وعلى الخط السعودي، تواردت المعلومات عن اللقاء الاستخباري السعودي- السوري، على هامش المنتدى العربي الاستخباراتي، الذي انعقد في القاهرة. وسواء كان صحيحاً أنّ اللقاء عُقِد ثنائياً بين رئيس الاستخبارات السعودية خالد الحميدان ومدير دائرة المخابرات السورية حسام لوقا، أو أنّ الأمر اقتصر على الكلام في الاجتماعات العامة، وأنّ الرجلين جلسا- صدفةً- الواحد إلى جانب الآخر، فالأمر يحمل مغزى سياسياً.

 

ومعلوم أنّ وفداً استخبارياً سعودياً زار دمشق في أيار الفائت والتقى الأسد ونائبه للشؤون الأمنية اللواء علي مملوك. وأوردت مصادر سورية آنذاك أنّ الجانبين اتفقا على استئناف العلاقات بعد عيد الفطر آنذاك، أي خلال أيام. لكن السعوديين قلّلوا من أهمية اللقاء ولم يُظهِروا استعجالاً.

 

وهذا المناخ الخليجي يأتي وسط استمرار التقارب الأردني والمصري مع دمشق، سياسياً واقتصادياً. فالملك عبدالله الثاني بادر الشهر الفائت إلى أول اتصال علني مع الأسد منذ العام 2011. وتوالى فتح المعابر واستئناف الرحلات الجوية بين دمشق وعمان. وكذلك، جرت لقاءات رباعية بمشاركة لبنانية حول عملية نقل الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان. ويُفترض أن تضطلع فيها سوريا بدور أساسي.

 

إذاً، التطبيع العربي مع الأسد يتقدّم. وثمة عوامل كثيرة سياسية وأمنية واقتصادية تدفع كل طرف عربي، على حدةٍ، للقيام بخطوة في هذا الاتجاه. لكن خلفية واحدة تجمع العرب: تعبئة الفراغ الذي خلَّفه خروجهم من سوريا، لئلا يملأه الإيرانيون. وهذا الفراغ يؤدي أيضاً إلى زيادة النفوذ الإيراني في العراق ولبنان.

 

وقد نجح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في إقناع الخليجيين العرب بفرضية تقول إنّ الأسد، في ظل نفوذ روسيا السياسي والعسكري، والعودة العربية سياسياً واقتصادياً إلى سوريا، سيستطيع تحقيق التوازن في معادلات القوة، فلا يبقى أسير النفوذ الإيراني. ولذلك، يدخل العرب تجربة جديدة في دمشق.

 

ولكن، في هذا الخضم، يُطرح سؤال عن موقع واشنطن من هذه المسألة. فهي أوحت بالليونة عندما استثنت الأسد من عقوبات قيصر في ملف استجرار الغاز والكهرباء إلى لبنان، لكنها لا تتوانى عن إطلاق المواقف المتشدّدة إزاء الانفتاح العربي على نظامه. وفي شكل مفاجئ، هي تتعمّد التذكير بـ»الجرائم والتجاوزات» التي ارتكبها النظام خلال الحرب هناك. فهل مِن إرباك أميركي في هذه المسألة؟

 

المطلعون في واشنطن يقولون: لا يمكن لحلفاء الولايات المتحدة العرب أن يبادروا إلى أي خطوة انفتاحية تجاه الأسد من دون ضوء أخضر، أو على الأقل «غضّ نظر»، من جانب الولايات المتحدة. فالأميركيون يتَّبعون سياسة «العصا والجزرة» تجاه الأسد. وهُم على استعداد لفتح الأبواب العربية أمامه، وتمكينه من تحقيق المكاسب، الواحد تلو الآخر، لكن مقابل أثمانٍ معينة، و»على القطعة».

 

يعني ذلك أنّ الأميركيين سيوافقون على إعادة انخراط الأسد في المنظومة العربية، ولن تكون هناك مشكلة لديهم في أن يستعيد مكانته المفقودة منذ حرب 2011، شرط أن ينضوي في مناخ التسويات الذي تتجّه إليه المنطقة. فسوريا معبر اضطراري للتقاطعات السياسية وللمصالح الاقتصادية والأمنية في الشرق الأوسط.

 

وفي شكل أساسي، سيكون مطلوباً تعويم «الأسد الجديد»، المستعدّ لتأدية المهمّات المطلوبة في التسويات الإقليمية، لا «الأسد الإيراني». وهذا التصوُّر يلتقي عليه العرب والأميركيون والأوروبيون أيضاً. فجميعهم يريدون أن تكون «إيران شيئاً والأسد شيئاً آخر». وفي هذه المعادلة سيكون متاحاً فتح الباب أمام الأسد.

 

ويقول خبير واسع الإطلاع في الشأن الأميركي: «بالنسبة إلى الولايات المتحدة، إيران هي «الشيطان الأكبر» في المنطقة. وأما الأسد فهو «الشيطان الأصغر». وإذا اقتضت المصلحة مرحلياً، فمن الممكن الاستعانة بالأسد، تحت السيطرة، لإبعاد خطر إيران». ويضيف هذا الخبير: «تذكَّروا أنّ ذلك حصل سابقاً في التعاطي الأميركي والأوروبي والعربي مع لبنان»!

 

إذاً، هناك تحدٍّ قاسٍ يقترب في المنطقة ولبنان: هل يُتاح للأسد أن يبتعد فعلاً عن إيران؟ وأي ثمن سيدفع، وأين؟ وأي ثمن سيتقاضى، وأين؟ وما دور إسرائيل في هذه المعادلة؟

 

وفي أي حال، هل ستحتاط السلطة في لبنان للتحدّيات الآتية، أم ستبيع نفسها والبلد مجدداً، للشاري… أياً كان؟