جاء جون كيري الأسبوع الماضي إلى باريس لعقد اجتماعات مع نظرائه وزراء الخارجية في دول مجلس التعاون الخليجي ومعه وزير الطاقة الأميركي وأيضاً المسؤول عن ملف العقوبات. وعقد سلسلة اجتماعات مع الوزراء الخليجيين للدخول في التفاصيل حول عدد أجهزة الطرد المركزي الذي ستبقى لإيران لمنعها من تطوير السلاح النووي. كما شرح لهم كيف إذا رفعت العقوبات عن إيران وخرقت إيران التزاماتها هناك إجراء سريع سمته الإدارة الأميركية snap back أي إعادة العقوبات بسرعة إذا لم تلتزم إيران بوقف التسلح النووي. فمشكور السيد كيري على هذه التفاصيل التي لم تطمئن الجانب العربي لأن المسألة ليست فقط في وقف إيران عن التسلح النووي. إيران منذ عهد الشاه كانت تتطلع إلى أن تكون قوة نووية. لكن المشكلة تكمن في إهداء إيران تطبيعاً مع الجانب الأميركي يؤدي إلى المزيد من توسعها في المنطقة العربية حتى تصبح مواجهة شاملة عربية – إيرانية.
إيران شاركت منذ عام ٢٠١١ في حرب النظام السوري ضد شعبه. وأوباما أخرج قواته من العراق وسلم هذا البلد لنوري المالكي وحليفه الإيراني. إيران تحالفت مع علي عبدالله صالح والحوثيين في اليمن للمزيد من زعزعة استقرار السعودية والخليج. وكانت السعودية منذ سنوات تقول للجانب الأميركي أن إيران تدرب وتدعم الحوثيين وكان الجانب الأميركي يدعي أنه لا توجد براهين على ذلك. وعندما شنت السعودية «عاصفة الحزم» فقد السيد حسن نصرالله أعصابه، إذ إن إيران لم تتوقع رد الفعل السعودي. فإيران تدير سياسة «حزب الله» في سورية ولبنان. والآن يريد السيد أوباما ترك إرث من عهده أنه استعاد علاقات طبيعية مع إيران، وربما كما أعلن عن زيارة مرتقبة إلى كوبا سيأتي يومٌ خلال نهاية عهده سيزور طهران والمرشد الأعلى لمكافأته لأنه أعطاه هدية الإرث الذي يتركه للشعب الأميركي. الكل يعلم أنه فور توقيع الاتفاق بين إيران والدول الست سيكون بحوزتها فوراً ١٥٠ بليون دولار من الأموال الإيرانية المجمدة تستخدمها لزيادة الدعم المالي للأسد وجماعته لقتل الشعب السوري ولـ «حزب الله» لإرسال أبنائه إلى سورية للقتال والقتل. فالحزب يضحي بخيرة الشباب اللبنانيين في سبيل حرب خاسرة تحولت إلى مستنقع للحزب كما أنه يطمح إلى جر الجيش اللبناني إليها.
إن من حق الدول الخليجية ألا تثق بنوايا أوباما في قمة كامب ديفيد. فأوباما لم يهتم يوماً بما يجري في سورية واكتفى بالتصريحات الخجولة لانتقاد الأسد وجرائمه وركز كل جهوده على مقاومة «داعش» علماً أن الجميع يعرف أنه لو أوقفت حرب الأسد منذ بدايتها لما نمت ظاهرة «داعش» بهذه القوة. كما أن حليف أوباما السابق في العراق وحليف إيران نوري المالكي يتحمل مسؤولية أساسية عن توسع «داعش». إن إصرار أمير قطر على وضع الملف السوري على أجندة كامب ديفيد ينبع من قناعة خليجية بأن المطلوب إيقاف إيران عن التوسع في المنطقة وتركها تخرب وتدمر كما يحصل في سورية والعراق واليمن.
لم يعد الشعب السوري يتحمل قتله من نظام تدعمه إيران ويحارب من أجل إنقاذه «حزب الله» الذي تحولت مقاومته إلى حماية لمصالح إيران في المنطقة على حساب وطنه وشعبه. ولكن كيف يمكن أن يضغط أوباما على إيران في شأن سياستها وهو طامح بإلحاح إلى التطبيع مع هذا البلد رغم سياساته السلبية في المنطقة؟ الظاهر أن أوباما وعدداً كبيراً من الأميركيين يخلطون بين جاذبية التراث الفارسي وتاريخ هذا الشعب العريق وبين نظام نشر الطائفية والذعر والحروب في العالم العربي. فنظام «الحرس الثوري» الذي يساند الأسد وجماعته لا علاقة له بهذا التراث. وقمة كامب ديفيد لن تطمئن الخليجيين لأن الجميع يدرك أن أوباما مهووس بالعودة إلى إيران مهما فعلت في المنطقة.