IMLebanon

إيران ومعركة الجولان

“إيران ليست قادرة على تحقيق إنتصار سياسي في سوريا وضمان بقاء حليفها نظام الرئيس بشار الأسد وتمكينه من حسم الحرب لمصلحته على رغم دعمها الكبير له، وهي عاجزة عن إنجاز حل سياسي للأزمة يحقق أهدافها وطموحاتها، وليست مستعدة في الوقت عينه لأن تدفع ثمن التفاهم مع أميركا والدول الغربية والإقليمية المؤثرة من أجل إنهاء الصراع المسلح وتحقيق الأمن والإستقرار والسلام في هذا البلد. وانطلاقاً من هذا الواقع قررت القيادة الإيرانية بصورة غير معلنة استغلال حال الحرب والفوضى الواسعة النطاق في سوريا من أجل تنفيذ استراتيجية ضغط تدريجي على إسرائيل إنطلاقاً من جبهة الجولان وبالتفاهم مع “حزب الله” تمنحها قدرة على خوض مواجهة غير مباشرة مع الدولة العبرية في الوقت الذي تراه مناسباً لها”. هذه المعلومات حصل عليها مسؤولون وديبلوماسيون أوروبيون بعد لقاءات مع مسؤولين إيرانيين على هامش المفاوضات النووية الإيرانية – الدولية وتلقيهم تقارير ديبلوماسية من طهران. وهي تركز على مسألة أساسية مفادها ان القوة العسكرية الضخمة التي يستخدمها نظام الأسد وحلفاؤه في هذه الحرب لم تحقق لإيران الأهداف التي تريدها وهذا مرده الى العوامل الرئيسية الآتية: أولاً – خسرت القيادة الإيرانية رهانها الأساسي إذ انها فشلت مع حلفائها في مساعدة نظام الأسد على إحكام سيطرته مجدداً على سوريا وإعادة عقربي الساعة الى مرحلة ما قبل اندلاع الثورة في آذار 2011. ثانياً – أخطأت القيادة الإيرانية إذ تصرفت على أساس انها قادرة على أن تكرر في سوريا تجربتها الخاصة مع خصومها المعارضين عندما نجحت في القضاء عليهم وإسكاتهم من غير أن يهتز النظام أو يضعف ومن غير أن يتحرك العالم ضدها. لكن الوضع في سوريا مختلف جذرياً إذ ان النظام يواجه ثورة شعبية حقيقية عميقة تلقى دعماً إقليمياً ودولياً واسعاً وهو شن حرباً غير مسبوقة على شعبه المحتج ألحقت الكوارث بسوريا التي أفلتت من قبضة الأسد وحلفائه. ثالثاً – ارتكز التعامل الإيراني مع هذه القضية على المعادلة الآتية: “سوريا هي نظام الأسد بالنسبة الى الإيرانيين وإنقاذ النظام هو الذي ينقذ سوريا التي تريدها إيران وتحقق لها مصالحها وتساعدها على تنفيذ خططها الإقليمية”. لكن الأحداث أثبتت ان هذه المهمة أكبر من إمكانات القيادة الإيرانية وطاقاتها فسقطت المعادلة وفقدت طهران القدرة على الاضطلاع بأي دور سياسي يساعد على إنقاذ سوريا من أوضاعها الكارثية.

وأوضح لنا ديبلوماسي أوروبي وثيق الإطلاع على هذا الملف ان المسؤولين الإيرانيين حاولوا، على هامش المفاوضات النووية، جس نبض الإميركيين في شأن إمكان إنجاز تفاهم ما يسمح ببقاء الأسد في السلطة لفترة زمنية محددة والحفاظ على النظام مع تنفيذ إصلاحات سياسية فيه، لكن رد الإدارة الأميركية كان واضحاً وقاطعاً وشدد على الأمور الأساسية الآتية:

أولاً – أي حل سياسي حقيقي للأزمة يجب أن يشمل رحيل الأسد والمرتبطين به وتغيير النظام جذرياً بطريقة تنهي احتكار مجموعة ما أو فئة محددة السلطة وتضمن الحقوق والمطالب المشروعة للغالبية والأقليات معاً.

ثانياً – السماح ببقاء الأسد في السلطة يمنع الحل السياسي الحقيقي الشامل إذ ان الرئيس السوري يرفض الإعتراف بوجود شعب محتج له مطالب وحقوق مشروعة تلقى دعماً إقليمياً ودولياً واسعاً ويتهم المعارضين بأنهم إرهابيون ويتمسك ببقاء نظامه بتركيبته وتوجهاته أياً يكن الثمن الباهظ الذي تدفعه سوريا.

ثالثاً – دور الأسد يجب أن يقتصر على قبول نقل السلطة الى نظام جديد تعددي ديموقراطي في إشراف دولي تطبيقاً لبيان جنيف المؤرخ 30 حزيران 2012 والذي يطالب بتشكيل هيئة حكم إنتقالي من ممثلي النظام والمعارضة تمارس السلطات التنفيذية الكاملة وتخضع لها الأجهزة العسكرية والأمنية وباقي مؤسسات الدولة وتعمل على قيام النظام الجديد الأمر الذي يعني إنهاء حكم الأسد.

وأضاف الديبلوماسي الأوروبي: “هذا الواقع الصعب دفع القيادة الإيرانية الى تبني استراتيجية ترتكز على استغلال حال الحرب والفوضى الواسعة من أجل مساعدة “حزب الله” على نشر مقاتلين له في منطقة الجولان وجوارها وإقامة روابط بين الجبهتين السورية واللبنانية بهدف ممارسة ضغوط متنوعة على إسرائيل وتنفيذ هجمات محدودة عليها مع احتمال شن حرب أوسع على الإسرائيليين إنطلاقاً من هاتين الجبهتين رداً على قصفهم المنشآت والمواقع النووية الإيرانية، وخصوصاً في حال فشل المفاوضات النووية ومواصلة طهران جهودها ونشاطاتها الهادفة الى امتلاك السلاح النووي. لكن هذه لعبة كبيرة وبالغة الخطورة وتنفيذ هذا المخطط سيفجر حرباً مدمرة تشمل لبنان وسوريا ويمكن أن تتحول مواجهة عسكرية إسرائيلية – إيرانية مباشرة”.