يبدو أن المجتمع الدولي إلا قليلاً قد سئم من الممارسات الإيرانية والتلاعب بالمواقف والاتفاقيات، ولهذا جاءت الجلسة العاصفة لمجلس الأمن الأخيرة والتي وضعت إيران أمام استحقاقات البركان قولاً وفعلاً.
لم يكن أمر البرنامج الصاروخي الإيراني جديداً أو مثيراً، لكن الإصرار على المضي فيه يعني مزيداً من التحدي، وإشاعة الفوضى خليجياً وشرق أوسطياً وأممياً، ولهذا بات الحسم والحزم مطلوبين وعلى وجه العجل.
تبدو إيران وكأنها تسعى إلى الصدام الدولي من منطلق فكرة الهروب إلى الأمام ومحاولة إلهاء الجميع في إشكالية صواريخها، ما يمكن أن يصرف النظر عن خطواتها المتسارعة الخفية والعلنية في إطار برنامجها النووي، وقد كادت تنجح في ذلك، إلا أن الموقف الأميركي الصارم الذي قاده وزير الخارجية مايك بومبيو قد وضع الملالي أمام حقيقة المشهد، وفضح أوراقهم بعد تجربتهم الصاروخية الأخيرة منذ نحو أسبوعين.
باختصارٍ غير مخل نحن أمام مرحلة جديدة من مراحل التهديدات الإيرانية الصاروخية، سيما أن الحديث هذه المرة يتناول صاروخاً باليستياً جديداً يطال الإقليم، ويصل إلى عددٍ من دول جنوب أوروبا، وتقول مصادر استخباراتية أخرى غرب القارة العجوز كذلك.
ما تقوم به إيران منفصل عن أزمة برنامجها النووي، والاتفاقية مع دول (خمسة زائد واحد)، لكنها تسعى في مكر دؤوب إلى خلط الأوراق علها تحصل على اتفاقية بشروط أفضل وهكذا تستمر في تسويف الوقت إلى أن يقدر لها الخروج على العالم بسلاحها النووي المحمل على صواريخها بعيدة المدى، وساعتها سيقف العالم صامتاً أو في أفضل الأحوال تفرض إيران نفسها كقوة ذات حضور ولها مطالب واستحقاقات ضمن رؤاها لتقسيم السيادة على المنطقة.
ما تقوم به إيران انتهاك للاتفاق الدولي الخاص بالبرنامج النووي الإيراني المبرم عام 2015 والذي يطالبها بالإحجام عن القيام بأي عمل يتعلق بالصواريخ الباليستية التي تحمل أسلحة نووية لمدة تصل إلى ثمانية أعوام، وهذه بدورها ثغرة أخرى وفرها الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما لأسباب في بطن الشاعر تتيح للإيرانيين معاودة الكرة تالياً.
يجاهر أمير علي حاجي زاده قائد قوات الجو الفضائية الإيرانية بأن بلاده تقوم بـ40 إلى 50 تجربة صاروخية سنوياً، الأمر الذي يبين وبجلاء زيف الادعاء الإيراني بأنها صواريخ للدفاع، في حين يعلم القاصي والداني أنها أدوات تجهز للقارعة القادمة لا محالة مع الغرب.
مثير جداً شأن كثير من الحواضن الغربية وفي المقدمة منها أوروبا، والتي يبدو أن المكايدة السياسية مع الرئيس ترمب تأخذها في طريق غير مأمون العواقب، سيما بعد أن أعلنت الأيام القليلة الماضية عن أن الأوروبيين قد توصلوا إلى صيغة توافقية بشأن الآلية الخاصة بالتعاطي تجارياً مع إيران، والتي تقترب من فكرة المقاصة التاريخية، وأن يكون مقرها فرنسا الدولة التي تختلف كثيراً مع العم سام، وأن يكون المسؤول عنه ألماني الجنسية، ومشاعر الألمان لا توارى ولا تدارى ناحية الرئيس دونالد ترمب.
غير أن ما شهدناه في جلسة مجلس الأمن قد يفيد بأن الأوروبيين في طريقهم لمراجعة جديدة وجدية لما تقوم به إيران، ولهذا دعا ممثل الاتحاد الأوروبي في الجلسة المشار إليها إيران «لوقف كل تجاربها الصاروخية المزعزعة للاستقرار في المنطقة».
ذاكرة الأوروبيين مؤخراً تكاد تشبه ذاكرة الأسماك لا الأفيال، وأقرب ما ذهب إليه الإيرانيون بشأن برنامجهم النووي هو ما أخبروا به الوزير الفرنسي جان إيف لودريان في مارس (آذار) الماضي من أنهم مستعدون للتخلي عن برنامجهم الصاروخي بشرط واحد، وهو أن تتخلص أميركا وأوروبا من صواريخهما دفعة واحدة، مما يبين عبثية الموقف الإيراني في الحال والاستقبال.
إرهاب إيران يخرج عن السيطرة يوماً تلو الآخر، فهي تنشط في قارة أميركا اللاتينية، وتنصب شباكها الاستخباراتية واللوجيستية في دول البلقان، وتطال صواريخها المملوكة للحوثي دول الخليج، وغداً البحر الأحمر، وبعد غد ستضحى أوروبا برمتها مهددة، والطريق مفتوح لرؤوس إيرانية تصب جام غضبها على المدن الأميركية… إيران في مواجهة البركان… والطريق إلى الانفجار أقرب ما يظنون.