كلّ ردّ على الصلفِ «الكسروي» سواء في كلام صادر عن «المرشد الفارسي» علي الخامنئي أم وزير خارجيته علي جواد ظريف يحبس الصراع في إطار صراع إيراني ـ سعودي، يكون لا يلامس الحقيقة أو يضعّفها، فالصراع في وجهه الحقيقي صراع «عربيّ ـ فارسي» أو «إسلامي ـ مجوسي»، وردّ الرئيس سعد الحريري بالأمس على رجليْ إيران المذكوريْن أعلاه، هو جزء ثانويّ من حقيقة صراع لن ولم تتخلَّ عنه «دولة الفرس» يوماً حتى بعدما «ادّعت» دخولها في الإسلام!!
أطماع ومخططات إيران ليست سرّية بل أعلنها مراراً وفي صور شتّى، واحدة منها توقفنا عنده في آذار العام 2015 وكانت مقالة كتبها رئيس تحرير وكالة مهر الإيرانية «حسن هاني زاده» حملتْ عنوان «الوحدة بين إيران والعراق لا بدّ منها»، ما يؤسف أنّ الردود على «الكسرويّة» المجوسيّة تحبس نفسها في «السياسة»، مع أنّ إيران تصدّر كل سياساتها تحت العنوان الدّيني، فهاني زادة اعتبر في مقالته تلك «أنّ الشعبيْن العراقيّ والإيرانيّ تربطهما وشائج دينية وتاريخية» حصرها هاني زاده بكون «الأغلبية من سكان العراق معروف انتماؤها العقائدي إلى مذهب أهل البيت»، ورأى «أن الإرهاب يضرب ذلك البلد (العراق) بسبب «الحقد العربي الدفين إزاء أتباع أهل البيت»!!
وفي مقاله ذاك ـ لمن خانته الذاكرة ـ حقّر زاده العرب فتوجّه في مقالته إلى العراقيين وبـ»لغة شعوبيّة حديثة» بالقول: «على الشعب العراقي وبالتحديد البرلمان العراقي أن يتجه نحو الوحدة مع أصدقائه الحقيقيّين وينسلخ من ثوب العروبة المزيفة لأن كل ويلات العراق سببها وجود العربان (…) ووجّه زادة الدعوة إلى العراقيين لترك «العروبة المزيفة الجاهلية وتراب «الذل العربي» وتغيير ملابسهم بعيداً عن «الدشداشة والكوفية»!! وأمعن زادة في مقالته تلك في الخبث «الفارسي» فقال: «ليس العراق وحده الذي أصبح معرّضاً إلى هذه الضغينة والأحقاد الدفينة بل كل شريحة عربية أو غير عربية تنتمي إلى مذهب أهل البيت هي أيضاً معرضة لمثل هذه الأحقاد. سوريا، لبنان، باكستان وأفغانستان واليمن ضمن البلدان التي تتعرض إلى اضطهاد جهات متطرفة بدوافع طائفية بحتة راح ضحيتها الآلاف من أتباع أهل البيت»!!!
عُمْرُ هذا الصراع طويل جداً، ضاربٌ في تاريخنا، منذ ألّف الفرس كتبهم في العهديْن العباسي والصفوي، منذ كتاب «مثالب العرب» لهشام بن الكلبي، أو منذ معمر بن المثنى وهو من يهود فارس الذي ألّف كتباً كثيرة تعرّض فيها للعرب منها «لصوص العرب» و»أدعياء العرب» كما ألف كتاب «فضائل الفرس» وألف «عَيْلان الشعوبي» كتاب «الميدان في مثالب العرب»، ومن جملة ما وضعته المدرسة الصفوية، كتاب «بحار الأنوار» للمجلسي الذي جاء بمئة وعشرين مجلداً وقد دوّن فيه ما طلبه الصفويون من الروايات والقصص التي تساعد على نشر بذور الفتن والتفرقة العنصرية والطائفية ويحمل الكتاب بين دفتيه أفحش الجمل وأغلظها ضد رموزنا الدينيّة العربية الإسلامية، وكذا كتاب «مفاتيح الجنان» لصاحبه عباس القمّي وهو أيضاً زاخرٌ بالسباب واللعنات للعرب وذلك كله بحجة الدفاع عن أهل البيت!!
وتناقل الفرس جيلاً بعد جيل حقدهم على العرب، حتى وصل الصفويون، الذين ألبسوا «شعوبيتهم» ثوباً جديداً، هو ـ الطائفية ـ كما «تلبّس» حسن زادة اضطهاد أتباع آل البيت ـ تلبّس الصفويون «التشيّع» وادّعوا النسب العلوي بالرّغم أن المؤرخين الفرس يؤكدون أن إسماعيل الصفوي مولود لأم أرمنية وأبٍ أذري، وكان جدّه صفي الدين الأردبيلي شيخ طريقة صوفية سنية…
لمرّة جديدة نقول: سيظلّ دائماً خير من كشف ضغائنهم وحقدهم «شاعرهم الرودكي» الذي قالها بصراحة: «عمر بشكست پشته هجبران عجم را/ برباد فنا داد روريش جم را/ اين عربده وخصم خلافة زعلي/ نسيت با آل عمر كينه قديم أست عجم را» وترجمتها: «الصراع والعداوة مع العرب ليس حبّاً بعليّ والدفاع عن حقّه في الخلافة/ ولكنّها البغضاء والعداوة لعُمَرَ الذي كسر ظهر العجم وهدَّ حضارتهم»، وكلّ مقاربة لهذا الصراع من خارج سياقه التاريخي تظلّ إيران الفارسية المستفيد الوحيد منها، أحياناً لا نفهم الإصرار على مواجهة إيران العنصرية في العرق والعقيدة، فيما تتوارب ردودنا خلف «عداء سياسي»، مع أنّ الحقيقة تماماً غير ذلك !!